تحت العنوان أعلاه كتبت أليونا تاراسوفا وإيفان شونين، حول دراسة قام بها الباحثان أندريه كوروتايف، وأليسا شيشكينا من مختبر الأبحاث بقسم رصد مخاطر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
نشر المقال على موقع المدرسة العليا للاقتصاد، روسيا. وجاء فيه:
“أثبت باحثا المدرسة العليا للاقتصاد في دراسة نشراها مؤخرا، أن مستوى سعادة المواطنين في تونس وليبيا ومصر ودول عربية أخرى عام 2010، توقع أحداث “الربيع العربي” بشكل أكثر فعالية من المؤشرات الاقتصادية البحتة، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومستوى البطالة وغيرها.
دوافع الحراك
اجتاحت، مطلع العقد الحالي، موجة من الاحتجاجات في البلدان العربية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ففي ديسمبر، وقعت اضطرابات في تونس، ما أدى إلى حل الرئيس التونسي للحكومة والهروب من البلاد في 15 يناير 2011. وفي 13 يناير من العام نفسه بدأت الاحتجاجات في ليبيا، والتي أفضت بنهاية الأمر إلى الإطاحة بنظام القذافي، والتدخل الدولي، والحرب الأهلية. في ذلك الوقت، بدأت الاضطرابات في سوريا ومصر واليمن، وبحلول نهاية فبراير، بلغ عدد بلدان “الربيع العربي” فعليا 19 دولة.
ليس “الربيع العربي” المثال الأول على “الموجات الثورية” في تاريخ البشرية، ففي منتصف القرن التاسع عشر حدث ما سمي بـ “ربيع الشعوب”. وهو ما يشير إلى أن المجتمع الذي يذهب إلى حد المواجهة مع السلطة الحاكمة، قد يكون لديه عدد من المؤشرات المحددة، التي يمكن اكتشافها باستخدام أدوات رصد ديموغرافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ربما أدوات رصد أخرى.
في ستينيات القرن الماضي، وكسبب محتمل لاندلاع الاحتجاجات في الشوارع، تمت تسمية الحرمان النسبي، وهو عدم الرضا الاجتماعي للمواطنين، لكونهم يعيشون حياة غير جيدة بما فيه الكفاية، ويستحقونها، من وجهة نظرهم، بسبب عدم وفاء الحكام المنتخبين بوعودهم، ولا يريدون العيش أسوأ من أقرانهم من الأمم الأخرى.
وكما يشير رئيس مختبر الأبحاث بقسم رصد مخاطر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، أندريه كوروتايف، فإن الحرمان النسبي هو مصطلح نفسي يشير تحديدا إلى الشعور الذاتي بوجود فجوة بين الوضع الذي يريد الشخص أن يعيش به، والوضع الذي يعيشه فعليا. ومن المهم عدم الخلط بين هذا المفهوم وبين الحرمان المطلق، حينما نتحدث عن نقص حقيقي في السلع أو الخدمات الحيوية، مثل قلة المأوى والغذاء وما إلى ذلك، أي أنه مقياس اقتصادي وليس نفسيا.
وقد تم استخدام نظرية الحرمان النسبي، دون تقديرات كمية، أكثر من مرة في تحليل العمليات السياسية في العديد من البلدان، بما في ذلك روسيا. ومع ذلك فإن المجتمع العلمي ليس لديه رأي واحد حول دور هذا الحرمان في العمليات الاجتماعية والسياسية، لأنه من غير الواضح كيفية قياس الحرمان النسبي بدقة.
اقترح عالم الاجتماع الهولندي، روث فينهوفن، استخدام مؤشر لمشاعر السعادة الذاتية كمقياس للحرمان النسبي عند البشر.
روث فينهوفن هو عالم اجتماع هولندي، رائد في أبحاث السعادة. أثبت أنه بالإمكان استخدام المشاعر الشخصية الذاتية كمقياس لتطور المجتمع، ودفعت أبحاثه الأمم المتحدة إلى استخدام مؤشرات السعادة كأحد مؤشرات التنمية المستدامة. وفي عام 1994، أطلق فينهوفن موقع قاعدة بيانات السعادة العالمية، والذي يجمع كافة الأبحاث المتعلقة بالشعور الذاتي بالسعادة، وفي عام 2000 أسس المجلة العلمية لأبحاث السعادة
ووفقا لنظامه، يتم قياس الشعور الذاتي بالسعادة الشخصية على مقياس من 10 نقاط، يصف فيه فينهوفن صورة نموذجية للرجل السعيد بأنه: مواطن دولة ديمقراطية وحرة ومزدهرة اقتصاديا، يمثل الأغلبية الحاكمة، يقع في الجزء العلوي من السلم الاجتماعي، ويمتلك آراء محافظة معتدلة.
قرر الباحثان كوروتايف وشيشكينا اختبار فعالية السعادة الذاتية كمقياس للحرمان النسبي على بيانات من “الربيع العربي”، فقاما بتصنيفها بحسب مؤشر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، حيث كانت الأرقام من 1-7 تتوافق مع حجم ونتائج التظاهرات الاحتجاجية التي وقعت في الدولة. بمعنى أنه إذا كانت تلك القيمة صغيرة، فسيكون المؤشر 1، على سبيل المثال في بلدان مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، أما إذا وقعت ثورة في البلاد مثل، مصر وليبيا وتونس، فإن قيمة المؤشر تصل إلى 7 من مستويات زعزعة الاستقرار.
وبمضاهاة المؤشر بمؤشر الشعور الذاتي بالسعادة لعام 2010، وجد الباحثان أن الأشخاص في البلدان التي وقعت فيها أعمال احتجاجية منخفضة، كانوا أكثر سعادة ذاتية من البلدان التي لم تهدأ فيها الاحتجاجات لفترة طويلة. كما كان الأفراد أيضا أكثر سعادة في البلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي المرتفع للفرد، لذلك بلغ أعلى مستوى من مؤشر السعادة الذاتية 7.2 في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تجاوز نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي 57 ألف دولار سنويا، في الوقت الذي بلغ فيه المؤشر أدنى مستوياته 4.66 في المملكة المغربية، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 6 آلاف دولار.
بالإضافة إلى ذلك، درس الباحثان العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي للفرد عشية “الربيع العربي”، ومؤشر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فكان متوسط الأنشطة الاحتجاجية أقل بكثير في البلدان العربية الغنية منه في البلدان الفقيرة.
العمل والمال وأشياء أخرى
تشير النتائج التي تم الحصول عليها إلى أن العوامل الاقتصادية، وليس الاجتماعية هي ما يدفع نحو المشاعر الثورية. إلا أن تحليل المنحنيات المتعلقة باستخدام مؤشر زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ومستوى السعادة لعام 2010، ومقارنته بنظيره لعام 2009، وكذلك نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات البطالة، أظهرت أن العامل الاجتماعي النفسي له أهمية إحصائية أكبر كمؤشر استباقي للثورات العربية أكثر من المؤشرات الاقتصادية البحتة.
ولكن في الوقت نفسه، يؤكد العلماء أنه من المستحيل الحديث عن الشعور الشخصي بالسعادة باعتباره المؤشر الوحيد والأقوى على أنشطة الاحتجاج، بل يجب أن نضع في الاعتبار ونتذكر العوامل الأخرى: السياسية والاجتماعية والديموغرافية والتاريخية والدينية والاقتصادية، التي لعبت هي الأخرى أدوارا متفاوتة. فالحرمان النسبي ليس سوى أحد الأسباب المحتملة.
ووفقا لأندريه كوروتايف، يريد الباحثان في المستقبل استخدام المنهج البحثي ذاته في تحليل العمليات السياسية في بقية العالم. وبهذه الطريقة، يأملان في حساب المستوى الأدنى للحرمان النسبي، الذي يمكن أن يحشد الناس لأنشطة متفاوتة من الاحتجاج، من المظاهرات السلمية، أو الإضرابات الجماعية، أو الأعمال الإرهابية”.
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة