بعد مرور قرابة شهرين على الإعلان عن الاتفاق الأميركي – التركي على إنشاء «منطقة آمنة» في شمال شرق سوريا، من دون إحراز تقدم حقيقي في التنفيذ، يتجدد الحديث عن الخلافات الجوهرية في رؤية الطرفين لطريقة تطبيق الاتفاق، مصحوباً هذه المرة بتهديد تركي يبدو أكثر جدية مما سبقه
بدأت الخلافات التركية – الأميركية بخصوص «المنطقة الآمنة» تأخذ منحى جديداً، من خلال التصريحات التركية الأخيرة التي تهدّد بالانسحاب من التنسيق مع القوات الأميركية في شرق الفرات، والذهاب نحو خيار العمل العسكري المنفرد. وعلى رغم أن أنقرة كانت قد أبدت مراراً عدم رضاها عن مسار تنفيذ الاتفاق، إلا أنها فضّلت أن تمنح واشنطن مزيداً من الوقت لاختبار جدّيتها. وعلى طول الفترة القليلة الماضية، لم تغب التصريحات التركية شبه اليومية التي عبّرت عن هذا الامتعاض، مؤكدة أن ما يحصل على الأرض مخالف لما تمّ التوصل إليه. ولعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كان الأكثر صراحة في التعبير عن موقف بلاده، إذ حذّر منذ عدة أيام من أن «نهاية أيلول/ سبتمبر ستكون المهلة الأخيرة لتنفيذ الاتفاق، وإلا ستطبق تركيا المنطقة الآمنة التي تناسبها».
أول من أمس، عاد أردوغان إلى تكرار موقفه السابق، بلهجة تصعيدية أوحت بجدية أكبر، من خلال تأكيده أنه «لم يعد بمقدورنا أن ننتظر ولو ليوم واحد، وليس لدينا خيار سوى الاستمرار في طريقنا الذي اخترناه». وأضاف: «لقد حاولنا كل شيء وصبرنا كثيراً (…) لم بعد بإمكاننا تضييع أي لحظة». وهو ما ألمح إليه، كذلك، وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي أكد أن «جهود تأسيس المنطقة الآمنة في سوريا تنتهي في حال حصول مماطلة». ويأتي هذا التصعيد التركي في ظلّ ما تؤكده مصادر متنوعة عن «عدم قناعة أنقرة بكل الخطوات التي تم اتخاذها من واشنطن وقسد»، والتي ترى أنها ليست إلا «استبدالاً لمسمى الوحدات، بمسمى مجالس عسكرية محلية»، ما يعني عدم زوال المخاوف التركية. كما تُتداول معلومات عن ضمانات كانت قد قدّمتها واشنطن للأتراك باستحداث نقاط عسكرية دائمة لهم لمراقبة تطبيق بنود الاتفاق، وهو ما تم اختصاره بتسيير دوريات فقط، ما رفع من مستوى الاعتراض التركي.
في غضون ذلك، قال الكرملين، أمس، إن موسكو «تراقب الوضع عن كثب» في الشمال السوري. وأشار المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إلى أنه «من حق تركيا الدفاع عن نفسها، لكن يجب الحفاظ على وحدة أراضي سوريا»، في ما قُرئ على أنه تعبير عن رضى موسكو عن توجهات أنقرة التصعيدية. كذلك، شدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، على ضرورة «الأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا المشروعة في احتمالية قيامها بعملية عسكرية شرق الفرات». ورداً على سؤال حول إمكانية عدم إشراك القوى الكردية الأساسية ضمن اللجنة الدستورية، أجاب بيدرسون: «الأكراد السوريون هم ضمن اللجنة، كما أن جميع الأعراق الأخرى والمكونات الدينية والفكرية تدخل ضمن اللجنة»، في ما يبدو أنه هروب من الإجابة المباشرة، إذ لم تظهر حتى اليوم أيّ مطالبة حقيقية بإشراك القوى الكردية الأساسية المتحالفة مع الأميركيين في اللجنة الدستورية، حتى أن واشنطن رحّبت بتشكيل اللجنة من دون المطالبة بإشراك تلك القوى، بالإضافة إلى السعودية التي رحّب مجلس وزرائها أيضاً بالأمر. في المقابل، تظاهر مئات الأشخاص، أمس، في مدينة القامشلي شرق الفرات، تنديداً بما اعتبروه «إقصاء الإدارة الذاتية الكردية عن عضوية اللجنة الدستورية». وتجمّع المتظاهرون أمام مقرّ الأمم المتحدة في القامشلي، ورفعوا لافتات باللغات الكردية والعربية والسريانية، كُتب على إحداها «الدستور الذي لا نشارك فيه لن نلتزم به»، و«من حقنا المشاركة في صياغة الدستور».
وفي ظلّ انكشاف الموقف الكردي، وافتقاده لأيّ دعم سياسي حقيقي، تُظهر التصريحات التركية هذه المرة جدّية أكبر في اتخاذ إجراءات ميدانية أحادية الجانب، قد تؤدي إلى توغل تركي مفاجئ داخل الأراضي السورية لفرض حالة أمر واقع على واشنطن، ودفعها بالتالي إلى تطبيق اتفاق «المنطقة الآمنة». وعلى رغم صعوبة اتخاذ أنقرة خطوة تصعيدية عسكرية ضد «قسد» في شمال وشرق سوريا في ظلّ وجود نقاط مراقبة أميركية، إلا أن الحاجة التركية إلى إحداث تغيير على الأرض قد تدفعها إلى المغامرة باتجاه فرض إرادتها بالنار من خلال عملية عسكرية محدودة. وتشير المعطيات الميدانية إلى تواصل نشر أكثر من 120 ألف جندي تركي على الحدود، للبقاء في حالة جاهزية لتنفيذ أي عمل عسكري. وفي حال صدقت تلميحات أنقرة إلى شنّ عملية منفردة، فإن الأعين تتجه نحو المنطقة التي تربط بين رأس العين وتل أبيض (تمتدّ على طول 100 كم)، والتي شهدت تخفيف الحضور العسكري لـ«قسد» أخيراً، مع تدمير كافة التحصينات العسكرية، ما يجعلها الأسهل والأكثر عرضة لتنفيذ عمل عسكري تركي خاطف وسريع.
الأخبار اللبنانية