كذبة (المنطقة الآمنة) كما يراها أردوغان؟ ,,, بقلم: غسان رمضان يوسف

كذبة (المنطقة الآمنة) كما يراها أردوغان؟ ,,, بقلم: غسان رمضان يوسف
كذبة (المنطقة الآمنة) كما يراها أردوغان؟ ,,, بقلم: غسان رمضان يوسف اتفاق أضنة خبير في الشؤون التركية شؤون تركية

هل سيستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إقامة (منطقة آمنة) في شمال شرق سورية كما يشتهي؟ وهل ستكون هذه المنطقة بموافقة ومباركة أمريكية روسية؟ ألا يعني هذا إنهاء دور ما يسمى (قوات سورية الديمقراطية) واحتلال أراضي جديدة من سورية؟ وكيف سيكون موقف الدول الأوربية التي هدد أردوغان بإغراقها باللاجئين؟

.. بداية أردوغان نفسه اعترف بوجود خلافات كبيرة بين تركيا والولايات المتحدة حول هذا الموضوع، وقال في هذا السياق: “نُجري مباحثات من واشنطن حول المنطقة الآمنة، لكن في كل خطوة نخطوها نشاهد أن ما نريده ليس الشيء نفسه الذي يدور في عقولهم”.!

أردوغان اتهم الولايات المتحدة بالعمل على تغطية وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة تنظيماً إرهابياً وذراعاً لحزب العمال الكردستاني – الذي يحاربه أردوغان في تركيا –  قائلاً: “يبدو أن حليفتنا (الولايات المتحدة) تسعى إلى إنشاء منطقة آمنة لمصلحة منظمة بي كا كا/ ي ب ك الإرهابية وليس لمصلحة تركيا وهو ما نرفضه”.

من تصريحات أردوغان الكثيرة والمتكررة بشأن المنطقة الآمنة يظهر أن الخلاف بين تركيا والولايات مازال كبيراً جداً، فالخلاف الأول هو على العمق حيث تريد تركيا أن يكون عمق هذه المنطقة يتراوح ما بين 32 إلى 40 كيلو متر في حين وافقت واشنطن على عمق يمتد ما بين خمسة إلى أربعة عشرة كيلو متر!

الخلاف الثاني، على تحديد المجموعات الإرهابية فالتركي يعتبر أن وحدات حماية الشعب الكردية النواة الأساسية لما يسمى (قوات سورية الديمقراطية) إرهابية في حين تعتبر الولايات المتحدة أن هذه القوات هي من حاربت تنظيم داعش الإرهابي.

الخلاف الثالث، على ادعاء أردوغان أنه يريد إسكان حوالي مليون لاجئ في هذه المنطقة في حين تعتبر الأطراف الأخرى ومنها الدولة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية أن هدف أردوغان هو تغيير ديمغرافية هذه المنطقة كما يفعل في عفرين وباقي المناطق التي احتلتها القوات التركية فيما سُمي عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون العام 2016

والسؤال: هل اللاجئ السوري يريد العودة إلى منطقة لا يعرفها ويسكن في مخيمات تقيمها تركيا على الحدود، أم أنه يريد العودة إلى بيته وقريته ومدينته؟ لو كان أردوغان صادقاً لسحب المقاتلين الأجانب من سورية وساعد في إنهاء هذه الحرب التي يتحمل هو المسؤولية الكبرى في اندلاعها، وهو الذي فتح مطارات بلاده وحدود دولته لدخول الإرهابيين من جميع أنحاء العالم إلى سورية!

الخلاف بين التركي والأمريكي لا يقتصر على هاتين المسألتين وإنما على دور تركيا المستقبلي في المنطقة وتحديداً في سورية ، حيث يقوم التركي بالتنسيق مع روسيا في ادلب وباقي المناطق الأخرى في سورية من خلال (مسار آستانة ) كما أن شراء تركيا لصواريخ اس 400 الروسية واستعداده لشراء طائرات سو35 و سو 57 يجعل الولايات المتحدة تتوجس من الدور الذي ستقوم به تركيا في المستقبل في هذه المنطقة وغيرها من المناطق باعتبار أن تركيا دولة أطلسية يجب عليها ألا تتصرف بشكل منفرد دون الرجوع إلى قيادة الحلف الذي يمانع إجراء مثل هذه الصفقات مع روسيا .

وهنا لا بد من التوقف عند الدور الروسي الذي في أغلب الأحيان كان منقذاً لأردوغان بعد الانقلاب الذي تعرض له في تموز 2016 حيث غض الروسي الطرف عن اجتياحه لمناطق شمالي حلب في الرابع والعشرين من آب في العام نفسه تحت ما سُمى عملية (درع الفرات) كما أن الروسي لم يُمانع دخول تركيا إلى عفرين في العشرين من كانون الثاني 2018 بعدما رفضت وحدات حماية الشعب الكردية دخول الجيش السوري إلى عفرين ، ولازال التركي والروسي ينسقان في منطقة خفض التصعيد في ادلب سواء من خلال مسار آستانة أو من خلال اتفاق سوتشي الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أردوغان في سوتشي في السابع عشر من سبتمبر أيلول 2018 وعلى الرغم من أن أردوغان لم يلتزم بالاتفاق ما عرض قاعدة حميم للعديد من الاعتداءات سواء بالصواريخ أو الطائرات المسيرة إلا أن التنسيق بين الجانبين ما زال مستمراً والزيارة الأخيرة التي قام بها أردوغان إلى معرض ماكس في ضواحي روسيا واجتماعه بالرئيس بوتين تشهد بذلك ، حيث كان من نتائج الزيارة وقف الجيش السوري لعملياته في ادلب وإعلان الهدنة من جانب واحد .

أما الخلاف مع الأوربيين فهو خلاف مستمر ولن ينتهي بسبب الرفض المستمر لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي وتهديد أردوغان الدائم بإغراق أوروبا باللاجئين وابتزازهم لدفع المزيد من الأموال ففي حين يقول أردوغان إنه لم يتلق سوى ثلاثة مليارات يورو تقول الناطقة باسم المفوضية الأوربية ناتاشا بيرتود إن الاوربيين دفعوا خمسة مليارات  وستمائة مليون !

يمكن القول: إن مشروع (المنطقة الآمنة) مشروع ديماغوجي كما هو حال ذهن أردوغان ومن الصعب تطبيقه على أرض الواقع حتى لو حظي بموافقة كل من الولايات المتحدة وروسيا!

أعتقد أن الحل النهائي سيكون بتعديل اتفاق أضنة الموقع بين سورية وروسيا في العام 1998 والذي يسمح لتركيا بالدخول لمسافة خمسة كيلو مترات داخل الأراضي السورية مع المعاملة بالمثل والحل النهائي قد يكون بتعديل الاتفاقية وزيارة طول المسافة إلى ما يقارب الخمسة عشر كيلو متر في بعض الأحيان وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، عقب لقائهما في العاصمة موسكو في السابع والعشرين من أيلول الماضي :” إن إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لتركيا خطوة إيجابية من حيث وحدة الأراضي السورية.، مضيفاً : “نفهم جيدا حساسيات تركيا ويجب ضمان أمن حدودها وهذا حقها المشروع”.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أعلن أكثر في مؤتمر صحفي عقده في الخامس والعشرين من كانون الثاني مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، في الرباط أن بلاده تعتبر اتفاق أضنة المبرم بين تركيا وسوريا عام 1998 لا يزال ساريا، مشيرا إلى أن موسكو وأنقرة مهتمتان بإعادة وحدة الأراضي السوري، وأن الدولتين المشاركتين في هذا الاتفاق تلتزمان بنفس الرأي”.

وكانت الاتفاقية وردت أولاً على لسان الرئيس الروسي خلال إحدى زيارة أردوغان إلى موسكو في الثالث والعشرين من كانون ثاني 2019 ، ما دعا المراقبين للقول إن تركيز بوتين على اتفاق أضنة، الموقع بين سورية وتركيا في عام 1998، كان بمثابة إشارة كافية إلى الرفض الروسي للمنطقة الآمنة التركية واستخدام اتفاق أضنة كذريعة لإجهاض فكرة المنطقة الآمنة.

غسان رمضان يوسف – رئيس تحرير موقع أصدقاء سورية – خبير وباحث في الشؤون التركية