تؤكد صفحات التاريخ التي دون ووثق من خلالها ماضي منطقة بلاد الشام وجغرافية الأرض السورية أن لواء الإسكندرونة عربي سوري وجزء من أراضي الجمهورية العربية السورية ولم يتجزأ عنها أبدا في يوم من الأيام قبل مجيء الاستعمار إلى سورية ممثلا بالاحتلال العثماني والاحتلال الفرنسي. وسلخ لواء الإسكندرونة وضمه إلى تركيا هو اعتداء على حقوق الشعوب وسلب لأراضيها وهو عمل مخالف للقوانين والشرائع الدولية ولن تستطيع أي قوة في العالم منع السوريين من أخذ حقهم واسترداد الجزء السليب من أرضهم وإعادته إلى حضن الوطن الأم سورية فقضية لواء إسكندرونة أصبحت جزءا لا يتجزأ من وجدان الشعب السوري ويقينه بحتمية عودته.
المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف يقول أن حب الوطن أمر فطري جبل عليه الانسان السوري منذ الأزل فالوطن بكامل حدوده وكل ذرة من ترابه المقدس أثمن وأغلى ما يمتلكه أي شعب من شعوب العالم فالوطن هو الانتماء والكيان الإنساني والروح والقلب النابض لهذا الشعب وكرامة الوطن فوق كل كرامة والشعب السوري لم ولن يفرط يوما بأي جزء من أرضه وسيستعيد حتما حقه القانوني والشرعي والتاريخي والجغرافي في لواء اسكندرونة المحتل من قبل الأتراك والجولان السوري المغتصب من قبل الكيان الصهيوني وإن غدا لناظره قريب.
وأشار المؤرخ السوري أن وثائق التاريخ التي دونت ماضي سورية العريق عبر مختلف العصور تؤكد أن حدود سورية الجغرافية الطبيعية الشمالية تتمثل بجبال طوروس وأنه لا يمكن فصل لواء اسكندرونة عن الوطن الأم سورية فالحدود الحالية هي حدود مصطنعة من قبل المستعمر والمحتل وسيسترد الشعب السوري حتما حقه في أرضه.
وبحسب الدكتور السيد يتمتع لواء اسكندرونة الواقع شمال غرب بلاد الشام والمطل على البحر المتوسط والممتد على مساحة 4806 كلم مربع بموقع جغرافي واستراتيجي وديني وتاريخي هام فهو يرتبط بممر بيلان الذي يعد بوابة سورية
منذ ظهور مفهوم المدنية وتشكل الممالك والامبراطوريات والمعبر الوحيد الذي تسلكه الطريق الواصلة بين أنطاكية والاسكندرونة ومدخلا إلى سورية الشمالية وعاصمتها أنطاكية في العصر الروماني ويشمل اللواء منطقة عميقة واسعة على الحدود السورية-التركية ويتصل اللواء من الشرق والجنوب الشرقي بمحافظتي إدلب وحلب ومن الجنوب بمدينة اللاذقية ومن الشمال بمحافظة غازي عنتاب التركية ويطل لواء اسكندرونة على خليجي اسكندرون والسويدية في الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط ويتوسط شريطه الساحلي رأس الخنزير وتقع معظم سواحل اللواء على خليج الاسكندرونة الواسع والعميق والبعيد عن التيارات البحرية وتمتاز بمواجهتها لسواحل قبرص. وتمتد حدود اللواء من ساحل خليج الاسكندرونة إلى شمال مدينة الاسكندرونة على بعد 500 متر جنوب مدينة باياس ثم يتجه خط الحدود شرقا باتجاه جبال الأمانوس ثم يتجه شرقا مخترقا سهل العمق ويصل إلى محطة السكة الحديدية في ميدان اكبس حيث يلتقي الحدود التركية-السورية ثم يتجه جنوبا بمحاذاة السفوح الغربية لجبل الأكراد وصولا إلى مدينة حمام العرب التي تشكل الفاصل الطبيعي بين حلب الشمالية وجزء من أراضي اسكندرون وتتوسع مساحته من الجنوب إلى الغرب ثم يقترب من مدينة حارم في محافظة إدلب وعلى بعد ثلاثة كيلو مترات منها ينحرف خط الحدود إلى الجنوب الغربي مارا بطاحونة الحمد منحرفا إلى الغرب قليلا ليلتقي مع مجرى العاصي على مقربة من مدينة جسر الحديد ثم ينتهي بشاطئ البحر على الساحل السوري بين قريتي قره ضوران والبدروسية. وقد خضعت هذه الحدود لتغيرات عديدة ناجمة عن الأوضاع السياسية التي سادت المنطقة آنذاك، وبعد سلخ اللواء من قبل تركيا أصبحت مساحته تقدر بنحو 5403 كم مربع بعد ضم أراضي باياس واصلاحية الواقعتين في سهل العمق إلى اللواء. وتعتبر مدينة أنطاكية أهم مدن لواء اسكندرونة وبلاد الشام وآسيا الصغرى وأهم مدن العالم القديم بأسره ومهد المسيحية الأول ونواتها في المنطقة وأول مدينة في العالم أطلق فيها على اتباع اليسوع عليه السلام اسم المسيحيين وأحد الكراسي الرسولية في المنطقة.
يتكون اللواء من تضاريس مختلفة تشكلت صخورها وفوالقها وتربتها في نهاية الزمن الجيولوجي الثالث وتتألف تضاريس اللواء من السهول الساحلية في الغرب )باياس، الاسكندرونة، أرسوز( المشرفة على ساحل طوله 152 كم والجبال الساحلية، ثم الهضاب والمنخفضات الداخلية في الشرق ويغلب على تضاريس اللواء الطابع الجبلي وأهم جباله وأكبرها وأكثرها ارتفاعا وأشدها وعورة سلسلة جبال الأمانوس “اللكام” الالتوائية الممتدة من نهايات جبال طوروس من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بطول 170 كم والمشرفة على حفرة انهدامية ممثلة بوادي النهر الأسود ووهدة العمق ومنخفض أنطاكية وتقسم جبال الأمانوس إقليم اسكندرونة إلى قسمين ساحلي وداخلي ولجبال الأمانوس قسمين شمالي ويدعى جبل الغور )البركات أو الكفرة( الأكثر ارتفاعا 2267 م عن سطح البحر وجنوبي ويدعى الجبل الأحمر وارتفاعه 1795 م وبسبب انحدار سفوحها الغربية بشدة نحو البحر وفي أقصى الجنوب تشكل رأس الخنزير وهو أكبر نتوء صخري متقدم في البحر على الساحل السوري ومن الجبال المهمة في اللواء جبل الأقرع الذي شكل الحد السياسي بين الإمبراطورية الحثية في هضبة الأناضول ومملكة أوجاريت السورية بموجب مضمون النصوص المسمارية المكتشفة في مملكة أوجاريت والمؤرخة بعصر البرونز الوسيط وجبل موسى المشرف على مصب نهر العاصي وجبل النفاخ. ويضم اللواء سهولا خصبة أهمها سهل العمق وأهم أنهار اللواء نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية بالبحر الأبيض المتوسط ونهرا عفرين والأسود اللذان يصبان في بحيرات سهل العمق وأنهار صغيرة أخرى يصب بعضها في بحيرة أنطاكية ويصب بعضها الآخر في نهر العاصي والبحر واللواء غني بالعيون كعين الطويلة وعين دفنة وعين المغاير وغني بالمياه الجوفية والينابيع المتدفقة ذات المياه الطبيعية والكبريتية.
ومناخ اللواء متوسطي فهو حار وجاف صيفا ومعتدل ماطر شتاء ويلاحظ تفاوت درجات الحرارة بين منطقة وأخرى داخل اللواء. ويتميز اللواء بتربة متنوعة لحقية بركانية مائلة بين البنية والحمراء سمحت بزراعة القطن والحبوب والتبغ والمشمش والتفاح والبرتقال والزيتون والبقول وبتنوع غطائه النباتي الذي ينمو في الأحراج والأدغال والغابات واللواء غني جدا بمعادن الحديد والكروم والفضة والأنتيمون ومعدن الرصاص الفضي وكميات من الذهب والزجاج والغاز والنفط الخام عالي الجودة وقليل من الفحم الحجري وبفضل منجم إسكندرونة أهم وأكبر مصدر لخام الحديد والفولاذ في المنطقة تحتل تركيا المرتبة الثامنة، بين أكبر المصدرين للحديد في العالم . ويشتهر بصناعة الحرير الطبيعي وصناعة زيت الزيتون والصابون.
وبين خبير الآثار السوري أن اللقى الأثرية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية المنتشرة في لواء الإسكندرونة تؤرخ بداية الاستيطان البشري فيه منذ عصر البرونز حوالي 1800 ق.م. وكان جزءا خاضعا لسيطرة البابليون وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد استولى الحثيون في هضبة الأناضول على لواء الاسكندرونة وفي عام 1490 ق.م انتزع الفراعنة المصريون اللواء من أيدي الحثيين وحكم اللواء أيضا من قبل الرومان والفرس. وقبيل الفتح الإسلامي لبلاد الشام أقامتفي المنطقة الممتدة من شمال حلب حتى جبال طوروس القبائل العربية تنوخ )التي أقامت على جبال الساحل السوري من الشمال والشرق حتى قنسرين وحلب( وبهراء وبني كلاب )التي أقامت من شمال حلب حتى طوروس( وكذلك يعود أصل العرب المسيحيين المقيمين في اللواء إلى قبيلة الغساسنة العربية وبعد الفتح الإسلامي أقامت قبيلة بني سليم العربية في منطقة أورفة وخضع اللواء لحكم الدولة الإسلامية الأموية والعباسية وفي عام 877 م خضع اللواء لحكم الطولونيون ثم الحمدانيون في عام 969 م وأثناء الحروب الصليبية على المشرق العربي خضع اللواء لسيطرة البيزنطيين ثم استرده المماليك عام 1268 م.
وفي عام 1516 م ضم السلطان العثماني سليم الأول اللواء إلى الحكم العثماني وألحقه بولاية حلب متخذا من سلسلة جبال طوروس حدا فاصلا بين الأناضول وبلاد الشام وليشكل اللواء مرفأ حلب على البحر فميناء الاسكندرونة هو المرفأ الطبيعي الوحيد لولاية حلب والطريق الطبيعية للتجارة مع أوروبا وتصدير البضائع واستيرادها بين البحر وحلب والعراق والأناضول وهذا ما أثار مطامع الدول الأوروبية وخاصة إنكلترا وألمانيا وإيطاليا كما كان لواء اسكندرونة مهما للقوات
الإنكليزية لأن إنزال حملة عسكرية فيه يضمن قطع طرق المواصلات العثمانية من وسطها وخلال التقسيمات الإدارية العثمانية لسورية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر كان لواء اسكندرونة الذي ضم ثلاثة أقضية هي بيلان وأنطاكية وإسكندرونة تابعا لولاية حلب وبعد دخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا أصبحت سورية ذات أهمية استراتيجية خاصة بالنسبة لها فمن سورية يمر الممر الوحيد الواصل بين الأناضول والمنطقة العربية. وفي عام 1764 رسم الفرنسيون خريطة بلاد الشام وكان لواء اسكندرونة ضمن الخريطة تابعا لسورية وفي عام 1911 كان العنصر العربي يمثل السواد الأعظم من أهل الاسكندرونة.
وأكدت مراسلات الشريف حسين مع مكماهون عام 1915 على تبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس إلى المملكة العربية الموعودة وأن حدودها الشمالية تمتد حتى قاعدة جبال طوروس شمالا وتشمل كامل مناطق لواء اسكندرونة الواقعة إلى الجنوب منه وعندما اعتمدت اتفاقية سايكس بيكو في 16 أيار عام 1916 م وقع كامل الساحل السوري الشمالي )من الناقورة إلى الاسكندرونة( ضمن مناطق الإدارة الفرنسية بما في ذلك أراضي اللواء وهي المناطق التي قضى الاتفاق بانفصالها عن تركية وضمها إلى المملكة العربية بعد الاستقلال ونصت الاتفاقية في المادة الخامسة أن الاسكندرونة ميناء حر لتجارة الإمبراطورية البريطانية وفي العاشر من حزيران عام 1916 قامت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين وبسبب عدم قيام الحلفاء بإنزال قواتهم في نقطة قريبة من الاسكندرونة بهدف شل حركة القوات العثمانية المرابطة بين حلب ومكة اقتصرت الثورة ضد المحتل العثماني على الحجاز ولم تمتد إلى بلاد الشام والعراق ثم تمكن إبراهيم هنانو من تشكيل حكومة وجيش في شمال سورية وكان مركزها مدينة كفر تخاريم ووضع نفسه تحت تصرف الشريف ناصر قائد القوة العربية وتمكن الجيش السوري من تحرير حارم وأنطاكية وفشل الجيش التركي المرابط في بيلان في استعادة أنطاكية واسكندرونة وفي 30 أيلول عام 1918 م عقد اتفاق بين فرنسا و بريطانية وقع في لندن ونص على حماية المصالح الفرنسية في المنطقة بموجب اتفاقية سايكس بيكو وتم وضع جبل لبنان والمنطقة الساحلية الممتدة من عكا حتى الاسكندرونة تحت الإدارة الفرنسية ووضعت ولاية سورية والقسم الجنوبي من ولاية حلب تحت إدارة الحكومة العربية وظل اللواء خاضعا للاحتلال العثماني حتى انسحاب تركيا نهائيا من سورية في 12 تشرين الثاني عام 1918 م ومنذ دخول العثمانيين إلى سورية وحتى نهاية حكمهم كانت منطقة اللواء جزءا من سورية وبعد انهيار الدولة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة تركيا واستسلامها للحلفاء بموجب اتفاقية هدنة مودروس 30 تشرين الأول عام 1918 م وصدور مراسيم التقسيم حظي اللواء بحكم ذاتي يتبع للحكومة السورية وأصبح اللواء جزءا من المملكة العربية السورية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون وخضع اللواء لحكم الانتداب الفرنسي لسورية. ومع بدء الانتداب الفرنسي على سورية تبع اللواء ولاية حلب وكانت معاهدة سايكس بيكو قد اعتبرت لواء اسكندرونة سوريا ووضعته داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي وهذا يؤكد أن اللواء جزء لا يتجزأ من سورية الحالية. وفي 21 تشرين الثاني عام 1918 أنشئ المحتل الفرنسي سنجق الاسكندرونة وذلك بضم أقضية الاسكندرونة وأنطاكية وحارم وبيلان إلى القسم الغربي للمناطق المحتلة ووضعها تحت سيطرة حاكم الاسكندرون الفرنسي وفي أواخر تشرين الثاني عام 1918 أعلن قيام الحكومة العربية رسميا في أنطاكية واستولت فرنسا على ميناء الاسكندرونة وأنزلت قواتها في المدينة وفي 7 كانون الأول عام 1918 تحركت القوات الفرنسية لاحتلال أنطاكية واصدموا مع قوات التحرير العربية ثم أصدر الجنرال البريطاني أوامره بانسحاب كل القوات العربية من أنطاكية وفي شباط عام 1919 سلمت بريطانية إدارة الساحل السوري كيليكية رسميا للجنرال غورو المندوب السامي الفرنسي وفي 15 أيلول عام 1919 قسم الفرنسيون المنطقة الغربية إلى ثلاث حكومات مراكزها بيروت واللاذقية وأنطاكية وضموا أنطاكية وبيلان وحارم وكونوا منها لواء اسكندرونة ومنحوه الحكم الذاتي تحت إشراف قائد ومندوب فرنسي وفي عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بموجب معاهدة سيفر في المادة 27 بعروبة الاسكندرون وكيليكيا )أضنة، مرسين( وارتباطهما بالبلاد العربية.
وبتولي إبراهيم هنانو قيادة ثورة منظمة في شمال سورية أصبحت الثورة ضد المحتل الفرنسي في منطقة الاسكندرونة أكثر شمولا وتنظيما ومع مطلع عام 1920 تصاعدت الأعمال الثورية في أنطاكية وفي 4 نيسان عام 1920 وضعت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي بموجب قرار مجلس الحلفاء الأعلى الصادر في سان ريمو وفي منتصف عام 1920 دخل الفرنسيون حلب عن طريق كيليكية ثم دخلوا دمشق في 24 تموز عام 1920 بعد معركة ميسلون وبهدف عرقلة مسيرة الحركة العربية نحو الوحدة وتحويل سورية إلى دولة داخلية بفصلها عن البحر بجدار قوامه حكومة اللاذقية وسنجق الاسكندرونة قام الفرنسيون بتاريخ 31 آب عام 1920 بإلغاء المنطقة الغربية وتقسيم سورية إلى أربع دويلات )دمشق-حلب-الساحل-جبل الدروز( وألحقوا لواء اسكندرونة المستقل في 1 أيلول عام 1920 بحكومة حلب مع احتفاظه بالاستقلال الإداري وبعدها احتلوا كفر تخاريم ولمواجهة التطورات الجديدة وقع الثوار اتفاقية مع الاتراك في 7 أيلول عام 1920 نصت على توحيد الأعمال الحربية ضد العدو المشترك على أن تنسب النشاطات الحربية إلى الحكومة السورية
وفي نفس العام أعلن هنانو الثورة رسميا في الشمال واتصل بثورة الشيخ صالح العلي في المنطقة الساحلية وسيطر هنانو على منطقة جسر الشغور من أجل تأمين الاتصال بين ثورة الشمال وثورة الساحل هذه التطورات دفعت فرنسا بالتفكير في التخلي عن كيليكية للأتراك عام 1921 م كمقدمة للصلح وتعهد تركيا بعدم تقديم أي مساعدة للثوار السوريين وهذا ما مكن فرنسا من السيطرة عن طريق اسكندرونة وأنطاكية على حارم وكفر تخاريم وجسر الشغور وإدلب.
الأطماع التركية في الأراضي السورية عامة ولواء اسكندرونة خاصة لم تنتهي بنهاية الإمبراطورية العثمانية، ولتحقيق تلك الأطماع عمل الأتراك وبتواطؤ مع المستعمر البريطاني والفرنسي على اقتطاع الأراضي السورية منذ عام 1920 بالاتفاق مع الانتداب الفرنسي حيث بدأت بالشريط الشمالي الممتد من ديار بكر على نهر دجلة شرقا مروراً بالسفوح الجنوبية لطوروس إلى الغرب مروراً بمدينة أضنة وأورفة، وفي 1921 ضمت شريطا آخر من الأراضي إلى الجنوب امتد من نهر دجلة شرقا مروراً بمدن نصيبين وماردين وحرّان وعينتاب وكلّس انتهاءً بسهول كيليكيا على الساحل الشمالي حيث مدن طرسوس ومرسين، كما عملوا على تطبيق سياسة التتريك في اللواء منذ زمن السلطان العثماني سليم الأول. وادعى الأتراك بالميثاق الوطني التركي الذي وضعه مصطفى كمال ملكية جميع الأراضي الواقعة شمال الخط المستقيم بين جنوب الموصل وميناء الاسكندرونة وهذا ما يؤكد أن حلب وبقية أجزاء لواء اسكندرونة الواقعة جنوب هذا الخط كانت مستثناة من الأراضي التي شملها الميثاق. ثم وقعت تركيا وفرنسا في 9 آذار عام 1921 اتفاقية وضعت حدا للنزاع المسلح في كيليكية ونصت على تشكيل إدارة خاصة في لواء اسكندرونة واستخدام اللغة التركية إلى جانب اللغة العربية والفرنسية ورسم حدود سورية وتركية من نقطة يجري تحديدها على خليج الاسكندرونة مباشرة جنوب باياس، وعلى بعد 15 ميلا شمال الاسكندرونة وتمر في ميدان إكبس ومنها باتجاه الجنوب الشرقي نحو كلس ثم شرقا على طول الخط الحديدي حتى نصبين. ولتأمين المواصلات بين حلب واسكندرونة منح الاتفاق الفرنسيين حق استثمار الخط الحديدي من باياس وميدان إكبس، وفي أواخر أيار عام 1921 طالب الأتراك بضم حلب والإسكندرونة وعملوا على إشعال الجبهات مع فرنسا. وهذا ما دفع فرنسا إلى عقد اتفاقية فرانكلين بويون أو اتفاقية أنقرة الموقعة في 20 تشرين الأول عام 1921 والتي أنهت الحرب التركية الفرنسية وأدت إلى تنازل فرنسا رسميا عن كيليكية للأتراك ووضع نظام إداري خاص بمنطقة اسكندرونة منح امتيازات للعنصر التركي وفرض اللغة التركية كلغة رسمية وتم بموجبها تعديل خط الحدود بين سورية الواقعة تحت حكم الاحتلال الفرنسي وتركيا والذي أقر في معاهدة سيفر التي أنهت الحرب العالمية الأولى. فتم فصل هضبة طوروس الجنوبية والتي تمثل النهاية الجغرافية والطبيعية لبلاد الشام ورسم خط الحدود الجديد ليبدأ من نقطة واقعة إلى الجنوب مباشرة من باياس على خليج الاسكندرونة ليصل إلى محطة القطار في كلس ويستمر عند الحد الجنوبي لخط سكة حديد إسطنبول-بغداد وبذلك تكون المناطق الشمالية من سورية كيليكيا والجزيرة العليا )أضنة، عثمانية، مرعش، عينتاب، كلس، أورفه، ماردين، نصيبين، جزيرة ابن عمر( قد خضعت للاحتلال التركي وتم بذلك عزل مدينة حلب عن معظم المناطق الشمالية التي كانت واقعة ضمن ولاية حلب وولاية أضنة وتخلت فرنسا عن حدود سورية الطبيعية ممثلة بجبال طوروس ووضعت بين سورية وتركيا حدودا وهمية غير طبيعية طويلة وهشة وصلت إلى نحو 700 كيلو متر مربع بهدف إبقاء مصادر المياه ضمن الأراضي التركية وبهدف اتاحة المجال مستقبلا لتركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية واجتياز الحدود وهذا ما حدث ومازال يحدث بشكل واضح خلال الأزمة السورية الراهنة وبلغت مساحة الأراضي السورية التي تم ضمها للاحتلال التركي بموجب اتفاقية أنقرة الأولى حوالي 18 ألف كيلو متر مربع.كما تضمنت الاتفاقية ملحقا سريا نص على تخلي الانتداب الفرنسي عن كامل اللواء لتركية في موعد يحدد مستقبلا. وتعد اتفاقية أنقرة الأولى غير شرعية وغير محقة ومخالفة للقانون الدولي، فالمادة الرابعة من صك الانتداب تنص على مسؤولية الانتداب “الفرنسي” عن عدم التنازل أو تأجير أو ضم أي جزء من الأراضي السورية لقوة أجنبية. كما تنص المادة 18 على أن شروط الانتداب لا تعدل إلا بموافقة مجلس عصبة الأمم.
وفي 24 تموز عام 1922 أقر مجلس عصبة الأمم المنعقد في لندن الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان وفي 28 تموز عام 1922 أنشئت فرنسا اتحادا بين حلب ودمشق والساحل وبقي لواء الاسكندرونة ضمن الاتحاد جزءا من دولة حلب
بموجب قرار الانتداب الفرنسي الصادر في 12 أيلول عام 1922 وفي 4 آذار عام 1923 أصدرت فرنسا قرارا يقضي بأن تطبق في لواء اسكندرونة جميع القوانين المرعية في دولة حلب وبموجب اتفاقية لوزان عام 1923 سلمت فرنسا مناطق سورية الشمالية )الرها، عين تاب، ماردين( إلى تركيا بينما بقي لواء اسكندرونة وأهم مدنه أنطاكية واسكندرون والريحانية وأرسوز ضمن الأراضي السورية. وبذلك تكون معاهدة لوزان قد أضفت الصفة الدولية على الحدود التركية السورية وأكدت على عدم وجود أي سيادة أو حقوق سياسية أو ملكية تركية للواء اسكندرونة.
وفي 5 كانون الأول عام 1924 أحلت فرنسا الاتحاد السوري وأنشئت وحدة بين دولة دمشق ودولة حلب وأعلنت عن فصل لواء اسكندرونة بكامل أقضيته عن دولة حلب وربطه مباشرة برئيس دولة سورية مع احتفاظه بنظام إداري ومالي خاص وجعل اللغة التركية لغة رسمية كالعربية والفرنسية. وفي كانون الثاني عام 1925 أصدرت فرنسا قرارا يؤيد نظام اللواء الخاص في الإدارة المالية وجعل اللغتين العربية والتركية رسميتين. ثم شجعت فرنسا الحركة الانفصالية في لواء اسكندرونة وتم في 22 شباط عام 1926 إعلان استقلال اللواء وانفصاله عن حكومة دمشق بموافقة سلطات الانتداب الفرنسي ثم أعيد ربطه بالدولة السورية في عهد الرئيس أحمد نامي. وفي عام 1929 ازداد نشاط الحركة الوطنية العربية في لواء الاسكندرونة بقيادة زكي الأرسوزي وفي 4 أيار عام 1930 أقرت سلطات الانتداب الفرنسي بأن لواء اسكندرونة جزء من الدولة السورية ويتمتع بنظامه الإداري الخاص به. وفي عام 1934 بدأت فرنسا بتطوير ميناء طرابلس بدلا من تطوير ميناء الاسكندرونة مما يدل على احتمال استيلاء الاتراك على لواء اسكندرونة مستقبلا. وفي عام 1935 ظهرت بشكل واضح أطماع تركيا بلواء اسكندرونة من خلال خطاب مصطفى كمال أتاتورك الذي ادعى فيه وبشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية والحقائق التاريخية والجغرافية في المنطقة أن اسكندرونة وأنطاكية أراض تركية.
وعندما وقعت معاهدة الاستقلال بين سوريا وفرنسا في 9 أيلول عام 1936 كان اللواء مشمولا ضمن مناطق الدولة السورية وبعد انضمام سورية إلى عصبة الأمم عام 1936 وشمول أراضيها لواء اسكندرونة بادرت تركيا برفض إبقاء اللواء ضمن الدولة السورية وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة تمهيدا لضمه إليها لاحقا ورفعت تركيا القضية إلى عصبة الأمم بالتعاون مع فرنسا وبشكل مخالف لصك الانتداب وجرت محادثات سرية تركية-فرنسية اتفق خلالها على فصل لواء اسكندرونة وجعله منطقة مستقلة منزوعة السلاح وفي 29 مايو/أيار 1937 نجح الاحتلال الفرنسي في استصدار قرار اً من عصبة الأمم مخالف للمبادئ والأسس والقوانين الدولية يقضي بفصل لواء إسكندرونة عن سورية وإعطاءه حكما ذاتيا
وربطه شكليا بالحكومة السورية في دمشق وتعُين حاكم فرنسي عليه يدير شؤونه، وفي 15 يوليو/تموز 1938 مهدت فرنسا لاحتلال القوات التركية عسكريا مدن اللواء وتراجع الجيش الفرنسي إلى أنطاكية، وبشكل مخالف لصك الانتداب الذي نص في مادته الرابعة “على التزام الدولة المنتدبة باحترام وحدة البلاد الموكلة إليها والحفاظ عليها” واجتاز المحتل التركي حدود ما كان يعرف دوليا بسنجق الاسكندرونة المستقل من نقطتين حدوديتين هما مدينة باياس التركية الواقعة على ساحل خليج الاسكندرونة مباشرة وعلى بعد عشرين كيلو متر من ميناء الاسكندرونة ومنها دخلت مدينة الاسكندرونة واحتلتها ثم احتلت مدينة ارسوز جنوب غرب اسكندرونة وبذلك احتل الأتراك السهول الساحلية المحصورة بين جبال الأمانوس”اللكام” وسواحل خليج اسكندرونة الجنوبية. في حين دخل قسم آخر من القوات العسكرية التركية من نقطة أقتبه الحدودية شرق سلسلة جبال الأمانوس وشمال سهول العمق ثم احتلت قرقخان وبيلان وأنطاكية والأورود والقصير والسويدية وجبل موسى ومناطق أخرى عديدة، ثم أعلن المحتل التركي في أيلول عام 1938 عن قيام دولة هتاي التركية في لواء اسكندرونة وبدأ مع هذا الإعلان المشئوم مرحلة تتريك كاملة فتم فرض اللغة التركية وإلغاء التعليم باللغة العربية
واعتماد الليرة التركية كعملة رسمية وفي 1939 نظم الفرنسيون استفتاء في الإقليم لضم اللواء إلى تركيا قاطعه السكان العرب وكان هدف فرنسا من ذلك منع قيام مملكة عربية موحدة في المستقبل وكسب تأييد الأتراك بهدف إقامة تحالف عسكري فرنسي-انجليزي-تركي أي ضمان دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وعمت المظاهرات الغاضبة جميع أراضي الجمهورية العربية السورية وأطاحت بحكومة جميل مردم، وكانت سببًا مباشرًا لاستقالة الرئيس هاشم الأتاسي. واستغل الأتراك اندلاع أحداث الحرب العالمية الثانية وسيطرتهم على المضائق بموجب معاهدة مونترو الموقعة في 20 تموز 1939 وتفكك وانهيار منظمة عصبة الأمم وأعلنت رسميا في الأول من أيلول عام 1939 عن ضم اللواء إلى تركيا بمؤامرة فرنسية-بريطانية وفي خطوة لم تعترف بها عصبة الأمم ولا خليفتها منظمة الأمم المتحدة وبعد ضم اللواء إلى تركيا أضيف إليه قضاءان هما دورتيل والخاصة وخلص المؤرخ السوري إلى أن الفرنسيون اتبعوا سياسة انفصالية وإقليمية في لواء اسكندرونة منذ بداية الانتداب ولم يكن لواء الاسكندرونة ضمن حدود الجمهورية التركية أبداً في كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي سبقت تاريخ سلخ اللواء عن الوطن الأم سورية فقضية لواء اسكندرون لم تكن ضمن الميثاق التركي القومي على الإطلاق . وانحصر في البدء اهتمام الأتراك باللواء من زاوية الأمن الوقائي لكن سلطات الانتداب الفرنسي هي التي شجعت تركيا على اغتصاب لواء اسكندرونة لمنع قيام أي امبراطورية عربية موحدة في المستقبل ولن يستكين الشعب السوري عن المطالبة بحقه بلواء اسكندرونة بكافة الطرق والوسائل التي شرعتها القوانين والأنظمة الدولية، ومسألة استعادة لواء الاسكندرونة وإعادته إلى حضن الوطن سورية حتمية مهما طال الزمن ويدركها المحتل الذي سلخ لواء اسكندرونة بالقوة العسكرية بطريقة غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية.
عماد الدغلي