كتب البروفيسور يارون فريدمان، أن تنظيمات الإرهاب السنّية، انتزعت من المتمردين السوريين مهمة قيادة التمرد، وأن تركيا سمحت للمتطوعين الأميين من كل بقاع العالم، اجتياز حدودها والانضمام إلى تنظيم “جبهة النصرة” في غرب سورية، وداعش” في شرقها، بهدف ضرب الجيب الكردي الذي يهدد حدودها الجنوبية. غير أن تأييد الولايات المتحدة للأكراد، وانتصار هؤلاء على “داعش” ادى الى نتائج عكسية: أقام الأكراد على حساب الدولة الاسلامية منطقة مستقلة شمال سورية، والآن فرضوا سيطرتهم على عدد غير قليل من السكان العرب، وأكثر ما تخشاه انقرة هو أن يطالب الأكراد الذين يشكلون حوالي 20% من سكان تركيا، بالاستقلال. وعلى هذا الأساس، قررت تركيا التدخل مباشرة بهدف تغيير الواقع. ويبدو أن ما دفع تركيا لاتخاذ هذه الخطوة، كان التدخل الروسي في الحرب لصالح النظام السوري. يضاف الى ذلك، أن الرئيس التركي يعزز مكانة حزبه من خلال ضرب الأكراد عسكريا، الذين يصفهم بالإرهابيين، ويريد منعهم بكل ثمن من التقدم غربا كي لا يكن لهم منفذا على البحر المتوسط.
في حين أدى التحول الذي شهدته الحرب الأهلية في سورية، إلى وقف المساعدة العربية للمتمردين، بقيت تركيا الجهة الوحيدة التي توفر الغطاء للمعارضة السورية. وعندما دخلت تركيا إلى شمال سورية، وقعت مع روسيا اتفاقا لإقامة منطقة آمنة في ادلب، وأقامت 18 نقطة مراقبة وتعهدت بتفكيك التنظيمات الإرهابية، مقابل تعهد روسيا باسم النظام السوري والميليشيات الإيرانية بعدم الدخول الى ادلب. لكن، اتضح لاحقا، أن تركيا لم تلتزم بالاتفاق، وزعمت أنها تحارب الإرهابيين وتدعم الجيش السوري الحر، باعتباره المنظمة الرئيسية للمتمردين الذين يعتبرون معتدلين، لكن الأسد والروس يدعون أن تركيا لم تفكك تنظيم هيئة تحرير الشام، وإنما زودتها بأسلحة جديدة.
إحدى المشكلات الرئيسية التي تمنع تنفيذ الاتفاق التركي الروسي في إدلب، هي الاختلاف في تفسير من هو الإرهابي. ففي نظر الأتراك، الإرهابيون هم الأكراد، وخاصة “وحدات حماية الشعب” التي لها صلة بحزب العمال الكردستاني (PKK). وفي المقابل، فإن النظام السوري يتفاوض مع الأكراد من أجل عودتهم إلى الدولة السورية. وبينما يعتقد الأسد والروس، أن جميع تنظيمات المعارضة في إدلب، هي إرهابية، ترى تركيا أن هذا الوصف ينطبق فقط على هيئة “تحرير الشام”، بمعنى أنها تمارس سياسة القفازات الحريرية: تتفاوض مع المنظمة وتمتنع عن استخدام القوة العسكرية ضدها. وبالنسبة لنظام الأسد، يبدو أن ذلك محاولة تركية لكسب الوقت والمحافظة على الوجود التركي في ادلب، لتحويلها تدريجياً إلى تركية، من خلال إقامة مؤسسات تعليمية تركية تحت ستار المساعدة الانسانية.
هناك دلائل تشير إلى أن مزاعم النظام السوري، تستند إلى أساس، بينها تكثيف هيئة تحرير الشام هجماتها على القواعد الروسية والسورية، واستخدامها طائرات بدون طيار. ولهذا السبب فقد نفذ صبر روسيا، واستؤنفت الحرب، وانتهت جميع الاتفاقات بين تركيا وروسيا وإيران. بالتالي، يقف أردوغان أمام اختبار صعب. فهو يستخدم، كالمعتاد، بطاقة الهجرة لإضفاء الشرعية على وجود جيشه في إدلب، ويهدد بأنه إذا انسحب الجيش التركي ، فإن الجيش السوري سوف يغزو المحافظة، ومثل هذه الخطوة ستؤدي إلى موجة كبيرة من المهاجرين إلى تركيا، سيطرقون أبواب أوروبا. وفي كلتا الحالتين، ستواجه تركيا مشكلة في السيطرة على ادلب. فمن جهة لا يمكنها المخاطرة بالحرب مع روسيا، لذلك لا خيار أمامها سوى خيانة التنظيمات المسلحة والتخلي عنها. وسيكون عليها الانسحاب من سورية، عاجلا أم آجلا. فيما سيستمر التقدم البطيء للتحالف السوري الإيراني الروسي في شمال سورية، دون وجود قوة لوقفه. ويبدو أن هذا التحالف يقترب من معركة إدلب، التي يبدو أنها ستكون المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية.
وفي المحصلة، من المتوقع أن تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى حتى احتلال منطقة إدلب بأكملها، لأن روسيا لن تكون قادرة على التسليم بوجود المتمردين في هذه المقاطعة بالقرب من قواعدها الجوية في اللاذقية وقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس. من جانبه، لا يمكن للنظام السوري ان يقبل وجود إرهابيي تحرير الشام بالقرب من معاقل العلويين أبناء طائفة الأسد. وبعد كل ذلك ، يبدو أنه سيكون على أردوغان التسليم بوجود الكيان الكردي في شمال شرق سورية
ترجمة وإعداد غسان محمد