أجرى موقع أصدقاء سورية (Syriafriends)حواراً مع الشاعر ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب ، وهذا نص الحوار :
س – بداية دكتور ثائر لنتكلم عنك كشاعر.. حضورك.. دواوينك.. أشعارك .. ولا سيّما أن لك بصمة في هذا المجال، وأنت الأن المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب.
ج – الحقيقة أنا أتمنى أن تكون لدي بصمة في أدب بلادنا، طبعا أنا بدأت شاعراً قبل أن أدرس في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة دمشق وأتخرج فيها ضمن الخمسة الأوائل عام 1986، نشرت مجموعتي الأولى وكان عنوانها “ورد”، في دمشق حين كنت أتابع دراستي للحصول على الدكتوراه في أوكرانيا السوفيتيّة آنذاك ،ثم تتالت مجموعاتي الشعرية المختلفة عن وزارة الثقافة وعن اتحاد الكتاب العرب وكانَ آخرها “ورميت نرجسة عليك”، التي أصدرها اتحاد الكتاب العرب عام 2016.
وجودي في الاتحاد السوفيتي؛ يومذاك ومحبتي للأدب الروسي والسوفيتي؛ كل ذلك جعلني أترجم كثيراً من الأعمال التي أحببتها، فترجمت مختاراتٍ للشاعرة الشهيرة مارينا سفيتايفا إلى العربية، وأيضاً للشاعر الرمزي فاليري بريوسوف، ترجمت بوريس باسترناك شاعِراً، وهو المعروف كروائي كبير وحصل على جائزة نوبل عن روايته ((دكتور جيفاكو))، لكنني ترجمته شاعراً وقدمته للقارئ العربي، ترجمت أيضاً سيرغي يسينين، ومختارات لروائيين أمثال دوستويفسكي، كثيرٌ من أعماله نقَلهُ أستاذُنا الكبير سامي الدروبي عن الفرنسية، لكن أنا نقلتها عن الروسية مباشرة ، طبعاً هذا الجهد جعلني أحصل على جائزتين مهمّتين الأولى في روسيا: جائزة الريشة الذهبية ميداليتين ذهبيتين واحدة باسم ليف تولستوي الروائي الروسي الشهير، والأخرى باسم وليم شكسبير. وفي أوكرانيا منحوني أيضا جائزة شعر تسمى جائزة فلاديمير سوسيور؛ أحد كبار الشعراء الأُوكران؛ هذه جائزة يصدرها اتحاد الكتاب في أوكرانيا. في بلادنا والحمد الله كنتُ من أوائل الذين حصلوا على جائزة الدولة عام 2013 وشرفني ذلك طبعاً، وقلدتني الميدالية يومذاك الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة السورية، إلى غير ذلك من الأعمال التي ربما كانت وراء تكليفي بهذه المهمة اليوم مديراً عاماً للهيئة العامة السورية للكتاب.
س – دكتور لاحظت أنك درست هندسة الميكانيك، وبنفس الوقت يمكن تابعت دكتوراه دراسة علمية ،ما الذي جعلك تنتقل من الدراسة العلمية إلى أن تكون متفرغا للكتابة والشعر والترجمة.. هل فعلا وجدت نفسك هنا؟
ج – تحضرني حادثة تشبه نكتة.. في يوم من الأيام كُلِّفتُ مديراً للثقافة في محافظة السويداء، السيد وزير الثقافة في تلك الأيام يقولُ لمحافظِ السويداء وكان محافظاً مثقفاً: كيفَ اقترحت علي أن أكلف دكتوراً في الهندسة الميكانيكية مديراً للثقافة فأجابه يومذاك المحافظ علي منصورة: “هل تذكر طرفة تشيخوف؟ عندما سئل عن الأدب فقال لهم: أنا زوجتي هي الطب ، لكن الأدبَ: القصة القصيرة معشوقتي. فأجابه: هذا الرجل أعني ثائر يتعامل مع الأدب كحبيبته” .. نعم ،أنا درست الميكانيك وفي اختصاص دقيق جداً، ودَرَّست سنتين في أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية في حلب وفي بعض المعاهد الصناعية لكن في السنوات الأخيرة كلها توجهت للترجمة والكتابة في مجال النقد وفي مجال الشعر وكنت قد بدأتُ أكتب القصيدة وأنا طالب في المرحلة الإعداديّة .
س – هذا الشيء يقودنا إلى عملكم هنا، أنت حالياً المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب وطبعا هناك الكثير من المخطوطات.. كيف يكون انتقاء هذه المخطوطات خصوصاً أن الكثير من الإنتاج.. البعض يقول بأنه مثلا ضحل ولا يرقى إلى مستوى الشعر أو إلى مستوى الأدب وأن الأدب والشعر أصبح مهنة من ليس له مهنة..
ج – الحقيقة نحن في الهيئة العامة السورية للكتاب لدينا مديريات عدة.. لدينا مثلاً مديرية التأليف – مديرية الترجمة – مديرية منشورات الطفل طبعا ومديريات أخرى تكاد تكون إدارية، يعني كأي هيئة أخرى، الآن عندما يصلنا الكتاب أو المخطوط؛ دوري أن أحوّل هذا المخطوط مباشرة إلى المديرية المعنية، حين يكون كتاباً مؤلفاً.. كتاباً إبداعياً.. في أي مجال كان.. يحول إلى مديرية التأليف، إذا كان كتاباً مترجماً يحوّل إلى مديرية الترجمة، كتابُ الأطفال أيضا يحوّل إلى مديرية الأطفال، بعد ذلك يخضع الكتاب لمسألة التقييم فيقرأ من قبل مُحَكَّمَين، إذا اختلفا نحتاج إلى قارئ مُرجِّح هو الذي يفصل بينهما بعد ذلك يأتي دوري في قراءة العمل. وبناء على تقويم وتقييم حقيقيين بكل معنى الكلمة يتم اختيار المخطوط الجيد وتتبناه الهيئة العامة السورية للكتاب ويصدر ضمن مطبوعاتنا، وبالتالي هناك مسألة غربلة؛ يعني الأعمال الرديئة تسقط، هذا العمل طبعا عمل صعب ويحتاج إلى كفاءات وإلى قراء متخصصين.. تصور أحيانا يصلنا كتاب في علم النفس التربوي.. في الفكر السياسي، في الشعر والقصة القصيرة والرواية والفن التشكيلي.. خُذْ مثلاً الفن التشكيلي نحن بحاجة هنا إلى فنان وناقدٍ في مجال الفن التشكيلي، وما إلى ذلك، كما أننا أطلقنا مجموعة من المشاريع منذ نحو سنتين ونصف، جميلة ومهمة .
س – لنتكلم عن هذه المشاريع بالتفصيل..
ج – نعم الحقيقة أنا كنت سعيداً جداً لدعم السيد وزير الثقافة.. الدعم المالي والدعم المعنوي، كان يقول لي اعمل؛ فمثلاً أطلقنا المشروع الوطني للترجمة، هذا المشروع مهم جداً ولاسيما في هذه المرحلة التي تعيشها البلاد، فبدأنا نضع خطة سنوية في كل عام، بحيث تكلف لجنة كبيرة من كبار المترجمين ونقاد الترجمة فتختار من ثقافات العالم مجموعة من أهم الكتب ونبدأ بالعمل على نقلها إلى اللغة العربية.
في العام الأول من خطتنا كان العدد نحو سبعينَ كتاباً استطعنا أن نترجم معظمها، لكن في هذا العام أشركنا – حتى تكون خطة وطنية بكل معنى الكلمة – أشركنا مختلف المؤسسات الثقافية المعنية بالثقافة والترجمة، فنحن نتعاون الآن مع جامعة دمشق، المعهد العالي للترجمة، مع اتحاد الكتاب العرب، مع مجمع اللغة العربية، ومع دور النشر الخاصة، فقد دعوناها من خلال اتحاد الناشرين وكلفناها بترجمة مجموعة من الأعمال. لقد طرحنا هذا العام نحو مئتي عنوان ،وكما قلت أشركنا هذه الجهات المختلفة بالعمل معنا على أن تحمل كل هذه الكتب عندما تصدر عبارة “المشروع الوطني للترجمة في سورية”.
أيضا عدنا فأطلقنا مجموعة من المجلات ومن الجوائز، كانت جوائزنا قد توقفت فأطلقنا من جديد: جائزة حنا مينة للرواية، وجائزة سامي الدروبي للترجمة، وجائزة عمر أبو ريشة للشعر العربي، وجائزة اللوحة المرسومة للطفل.. كانت الدورة الماضية دورة ممتاز البحرة سنسميها في كل دورة باسم فنان سوري، وجائزة القصة القصيرة المكتوبة للطفل، وهناك جائزة طريفة جداً هي جائزة خاصة بالتمكين للغة العربية.. أسميناها جائزة حفظ الشعر ، أيضا في كل عام.
هذه الجوائز حركت المشهد الثقافي في سوريّة، خلقت شيئاً من الحراك الجميل بالإضافة كما قلت اطلاق مجلة جسور ثقافية التي تعنى حصراً بالترجمة؛ ننشر فيها دراسات مختلفة حول الترجمة، ننشر فيها أعمالاً إبداعيةً مترجمةً عن مختلف ثقافات العالم، ننشر فيها تغطية للكتب الأجنبية وما شابه ذلك، وهي مجلة مهمة جدا تقع غالبا في 400 صفحة من القطع الكبير الملون؛ وتكاد تكون هذهِ المجلة .. المجلةَ الوحيدة في الوطن العربي بهذا الحجم وبهذا النوع، العدد الماضي كان خاصاً بأدب الطفل في العالم؛ نقلنا كثيراً من الأعمال الإبداعية والدراسات وما شابه ذلك، قيمها الأدباء على أنها ليست مجرد مجلة بل هي مرجع في أدب الطفل.. إلى غير ذلك من المشاريع المختلفة التي حاولنا خلال السنوات الثلاث الماضية حتى الآن أن نطلقها وأن نعمل عليها بغض النظر عن وضع البلاد كما تعلم..نحن لا نحسد على الوضع الذي نعيش فيه.
س – لنتكلم عن الوضع دكتور ثائر ،مرت سورية على مدى ثمان أو تسع سنوات بهذه الأزمة الطويلة.. كيف كان تأثير هذه الأزمة على إصدار الكتاب السوري؟
ج – بالتأكيد.. أثرت هذه الأزمة بأبعادها المختلفة على الحالة الثقافية ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، ألقت بظلال ثقيلة على عالم الثقافة والكتاب، كما تعلم كثير من المراكز الثقافية خرجَ عن الخدمة، وبعضها احتلت من الإرهابيين، وبعضها دمرت وما شابه ذلك.. لكن الغريب والطريف في الأمر أن بلداً صغيراً كسورية استطاع فعلاً أن يتابع العمل ولا سيما في وزارة الثقافة على إصدار الكتب.. على دعم المثقف.. ما استطاع إلى ذلك سبيلا..
س – خَفّت في بداية سنوات الأزمة الأولى مطبوعات وزارة الثقافة وقلت قليلا، لكنها استمرت مع ذلك؟
ج – نحن في العام الماضي في الهيئة العامة السورية للكتاب استطعنا أن نطبع 266 كتاباً في مختلف وجوه المعرفة، وهو الرقم الأعلى الذي حققته وزارة الثقافة منذ أنشئت رغم ظروف الحرب، ورغم غلاء الورق، وغلاء البلاكات والأحبار، والصعوبة في عمل المطبعة، وخروج كثير من العاملين من العمل، واستشهاد بعضهم.. الآن أنت تعلم الرواتب القليلة جداً.. حينما نعلن عن مسابقة لتعيين موظفي عمال طباعة لا يأتي أحد بسبب أن العامل عندما يعمل في القطاع الخاص يمكن أن يقبض شهرياً حوالي 200 ألف ليرة سوري بينما نحن لا نعطي أكثر من ثلاثين ألف ليرة.. لاحظ رغم كل تلك العقبات التي تواجه وزارة الثقافة وهيئة الكتاب بصورة خاصة لكنها استمرت بإصدار كتبها ومجلاتها..
س – دكتور لاحظت كثرت الكتب على اليوتيوب وحتى نشر القصص باللغات الأم مثلا بإمكانك أن تستمع على كل الروايات والقصص الإنكليزية باللغة الإنكليزية، هل هناك تجربة سورية أو عربية وخصوصا بالهيئة العامة السورية للكتاب.. أنتم هل خضتم هذا المجال؟
ج – الحقيقة هذه مسألة أنا أفتخر بها بشكل شخصي، نحن أطلقنا في الهيئة ما أسميناه الكتاب الناطق، بدعمٍ وتشجيعٍ من الأستاذ محمّد الأحمد وزير الثقافة وحتى الآن أصدرنا عديدا من الكتب.. نختار مثلا كاتباً مهماً سورياً.. عربياً.. عالمياً.. نسجل له كتاباً كاملاً بصوت جميل، صوت أديب مهم أو مذيع يمتلك اللغة بشكل جيد، أطلقنا كتاباً للقاص السوري عبد الله عبد في مجال الأدب المعاصر والحديث، أيضا كتاباً لسعيد حورانية، وفي مجال التراث أطلقنا كتاباً ناطقاً للمتنبي اخترنا مجموعة من أهم قصائده وسجلت بصوت جَيّد، ديوان عروة بن الورد كاملاً الآن هو كتاب ناطق لدينا بإمكان المتلقي أن يستمع إليه أو أن يراه على شاشة الكمبيوتر إن لم يكن يرغب بالقراءة ورقياً، إلى غير ذلك، هانس أندرسون في مجالِ لأطفال والأخوان غريم وسليمان العيسى.. كثير من الكتب أصدرنا ضمن مشروع الكتاب الالكتروني، بالتأكيد دول كثيرة سبقتنا في هذا المجال لكننا منذ سنتين ونصف التحقنا بالركب.
وهذا شيء جيد للراغبين بدراسة اللغة العربية أو بالاطلاع على الادب العربي، خصوصاً الذين يريدون أن يتقنوا العربية، نحن طبعا نحمِّل على موقع الهيئة العامة السورية للكتاب إذا كنتم قد لاحظتم.. الكتبَ حتى الكتب الورقية التي نصدرها؛ بعد شهر مثلا من إصدار الكتاب نحمِّله على موقعنا، يستطيع القارئ أن يصل إليه، بعض الكتب الناطقة بدأنا نحمِّلها الآن أيضاً على موقعنا بغية إيصال هذه الثقافة أو المعرفة للقارئ والمتلقي ليس في سورية فحسب وإنما في شتى بقاع العالم..
س – في لقاء لنا مع مدير الترجمة الأستاذ حسام الدين خضور .. قال بأنكم ستتجهون شرقاً وسيكون هناك ترجمة من اللغات الشرقية وهذا عمل أنتم تعملون عليه.. إلى أين وصلتم؟
ج – الحقيقة هذا مشروع مهم جدا وله طبعا مسوغاته الثقافية التي نعرفها، حركة الترجمة عندما انطلقت في الوطن العربي كله ومن ضمن هذه البلاد سورية ترجمت عن اللغات الرئيسة الإنكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانيّة. نحن الآن نسعى فعلا لأن نترجم الكثير من ثقافة الشعوب الشرقية وحبذا لو حدث ذلك عن لغاتها الأصلية، لكنها مسألة صعبة جدا.. مثلا منذ فترة ترجمنا كتاباً عن اليابانية مباشرة.. نقلنا بعض الكتب من الثقافة الصينية وأنا سعيد بذلك، وألف بعض كتابنا كالأستاذ زكريا الشريقي كتاباً حول الرسم الصيني صدر منذ أيام عن الهيئة، ترجمنا حكايات شعبية صينية، من فيتنام.. أيضا من الهند.. إذاً هذا التوجه نعمل عليه الآن، وأرجو أن نوفق، المسألة صعبة تحتاج إلى كوادر.
س – في نهاية هذا اللقاء .. ما هي الخطة المستقبلية لكم في الهيئة السورية العامة للكتاب على الرغم من أنك تحدثت ولكن لنتكلم بإيجاز؟
ج – الحقيقة لدينا أفكار كثيرة وأنا أتمنى أن نستطيع جعل هذه الأفكار مشاريع تنفذ، وليسَ مجرد أفكار.. طبعا نحن سنخصص على سبيل المثال مجلة جسور ثقافية لأن تصدر ملفات عن الثقافات.. الآن لدينا في المطبعة عدد حول الأدب الفارسي عدد كامل ، وسنقوم بذلك.. بالنسبة للأدب الصيني والثقافة الصينية.. بالنسبة للأدب الهندي إن شاء الله.. هذا أحد المشاريع البسيطة التي نضعها نصب أعيننا.. طبعا لدينا مشروعٌ كبيرٌ وهو أن نرفع عدد مطبوعاتنا إن استطعنا، وأن نضاعف عدد النسخ لأن الحرب جعلتنا نخفِّض عدد النسخ. مثلاً كنا ذاتَ يوم نطبع 2500 نسخة خفضنا هذا العدد إلى الألف أو الخمسمئة وهذه أرقام بسيطة للقارئ السوري، ولاسيما أن حركة القراءة بدأت تنطلق من جديد.. من شاهد المعرض الأخير في مكتبة الأسد وشاهد جناح وزارة الثقافة يعرف مدى الجهد الذي بذلته الهيئة العامة السورية للكتاب، لقد بيعَ حوالي 25 ألف كتاب هذا رقم ليس بسيطاً بالنسبة لبلاد تنهض من جديد فهذه مسألة مهمة، إذاً نعمل على ذلك إضافة إلى مشاريع كثيرة أخرى أرجو أن نستطيع تحقيقها .
… كل الشكر لك الدكتور ثائر زين الدين كنت ضيفاً عزيزاً على موقع أصدقاء سورية وصفحة Syriafriends))
…. كل الشكر لكم أهلاً وسهلاً