هل لاحظتم أوجه الشبه بين عالمنا اليوم ومسلسل “صراع العروش”؟ أجد تشابها كبيرا بين عالمنا الواقعي وذلك العالم الخيالي.
ترامب – المحتال، الذي تسلق خلسة إلى العرش بلا شرعية، يواجه النخبة القديمة التي ترى في العرش حقا موروثا لها. وحول العرش الحديدي في واشنطن يدور صراع محوره الموت لا الحياة، صراع طرفاه مستعدان لحرق الشجر والبشر، الأخضر واليابس، وتدمير بعضهما البعض من أجل الوصول للسلطة.
لا يمكن ألّا نلحظ وجه الشبه الواضح بين صعود دينيريس تارغارين إلى قمة السلطة وصعود التيارات الشعبوية في جميع أنحاء العالم، وما يصاحب ذلك من تحرير للعبيد، ومناشدة للجماهير.
بل إن سلطة العرش الحديدي نفسها فعليا لم تعد تخرج من تحت المظلة الملكية، أي الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الحلفاء والخدم السابقين يبدأون في الخروج واحدا تلو الآخر من تحت عباءة تلك السلطة، ليعلنوا استقلالهم وتمردهم وتحديهم للعاصمة.
أما التنين، أي الأسلحة النووية، فيعود من مرقده الأسطوري، ليصبح من جديد أحد أسلحة الواقع الجديد، مثلما يفعل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بخروجه من معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية الواحدة تلو الأخرى، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تطوير أسلحة نووية محدودة التأثير، تمكنها من خوض حروب نووية محدودة دون تأثير خطير على البيئة في العالم أجمع، أي أن أفق الحرب النووية لم يعد أسطوريا، بل أصبح أفقا واقعيا.
فيما يتعلق بالآلهة، فالفوضى أعم وأشمل. فالآلهة وإن بدت موجودة، إلا أنها فقدت معناها، وشعبيتها، ولم يعد يسجد لها سوى قلة نادرة من الشعب. أما تلك الآلهة التي تستطيع إثبات وجودها فهي قاسية ودموية. أما ديانة العامة فتصبح الحركات الاجتماعية والشعبوية، التي تهتم بالسلطة السياسية أكثر من اهتمامها بالجانب الروحاني. لذا ينتهي سعي المتطرفين الدينيين الوصول إلى السلطة بالانهيار والفشل.
وفوق آلام المتصارعين حول العرش، يتسلط، بلا مشاركة، “المصرف الحديدي”، أي نخبتنا المالية المحببة، المصارف العابرة للقارات، والتي لا يهمها في الواقع ماذا تفعل حكومات الدول ببعضها البعض، بل كل ما يهمها أن تدفع أقساط الديون وفوائدها في الوقت المحدد للدفع.
أما رعب الغرب أمام بوتين، فبالإمكان رؤيته في رعب سكان عالم “صراع العروش” أمام “المشاة البيض” القادمين من الشمال. ألقى بوتين تصريحا أثناء حديث عابر، حول استنفاذ النظام الليبرالي الغربي لمقومات وجوده، فما كان من الغرب إلا أن استل كل سيوفه وبحث في كافة أضابير أيديولوجياته كي يخرج بموجة من التصريحات والمقالات، التي تدحض هذا التصريح العابر، وتؤكد على أن المستقبل لليبرالية. بل إن خطاب الوداع لرئيس الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، تطرق للرد على “مزاعم” بوتين. تشعر النخب الغربية على مستوى الحدس، بأن ثقافة الترويج للمثلية الجنسية والتحول الجنسي، الموجهة لتدمير كيان العائلة، وثقافة الاستهلاك غير المحدود أو المسؤول، وتأليه أولوية الخاص على العام، وثقافة الحياة المستمرة بالديون هي ما أدت إلى مأزق المجتمع الغربي الآن، الذي أصبح يرى في القيم التقليدية لبوتين تهديدا وجوديا. ما يدعو للدهشة حقا، كيف غاب عن كاتبي سيناريو “صراع العروش” في هوليوود، أن يتحدث “المشاة البيض” باللغة الروسية! تعوّدنا في جميع الأفلام الأمريكية أن يلعب الروس والعرب أدوار الشر، لكن العرب، مع كامل احترامي، ليس فيهم من الشر ما يكفي للعب دور “المشاة البيض”…
إن الجزء الأساسي من المسلسل الهوليوودي “صراع العروش” تتشابه في الكثير من تفاصيلها ومؤامراتها مع واقعنا المعاصر. إلا أن التفاصيل والمؤامرات في الواقع تحدث الآن وهنا، ولم تصل لنتائجها بعد. لعل ذلك هو ما دفع بمسلسل “صراع العروش” إلى قمة المشاهدات على مستوى العالم، أننا جميعا نتشوق لمعرفة “ما الذي سيحدث لنا”، وإلام سوف تنتهي تطورات الأوضاع في عالمنا اليوم.
ويبدو لذلك السبب أيضا أن نهاية المسلسل الخيالي قد أصابت الكثيرين بالسخط وعدم الرضا، حينما تهرب صناع المسلسل من الإجابة على الأسئلة الحقيقية والواقعية بشأن “ما الذي سيحدث لنا”، وقدموا حكاية وردية خيالية بعيدة عن الواقع.
مشكلات الاتحاد الأوروبي سوف تحل من تلقاء نفسها. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سوف يصاب بالتوحد وينعزل عن الحياة، ولن يتدخل في شؤون الآخرين، بينما سيدير الأمور فريق طيّب مخضرم، يمكن دائما التوصل للغة حوار معه. سيتلاشى “المشاة البيض” كالدخان، وأما الأزمة العامة للمجتمع الغربي، فهي في الواقع غير موجودة، وما ينتظرنا هو “نهاية التاريخ” لفوكوياما، ثم عالم رائع لآلاف السنين، بل قل للأبد، كما كنا نراه في تسعينيات القرن الماضي، أثناء حالة اليوفوريا الغربية التي صاحبت انهيار الاتحاد السوفيتي. اما بالنسبة لـ “المصرف الحديدي” والهرم الائتماني العالمي، فلا أحد يذكر شيئا عن ذلك، فالنقود موجودة بوفرة، ولدى الجميع…
لقد تابع المشاهدون حول العالم زيف هذا السيناريو، ونهايته السعيدة، التي لا يمكن أن تكون واقعية. أخاف أن “صراعنا حول العروش” سوف يكون أكثر إثارة بمراحل، لكنني لا أتصور له نفس النهاية الوردية السعيدة بالنسبة للغرب…
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف – RT