حملة أردوغان الأخيرة قبيل الانتخابات.. الاستعانة بمن يسميه إرهابيا!

زعمت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء أن زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان دعا مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي” إلى “الحياد”، في انتخابات بلدية إسطنبول مطلع الأسبوع، وهو الأمر الذي يعني دعمًا مباشرًا لمرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم بن علي يلدريم نظرًا لأن الحزب الكردي أعلن أنه سيدعم مرشح المعارضة وحزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو.

ومن اللافت أن الشخص الذي حمل رسالة أوجلان، التي أثارت ضجة كبيرة، إلى الرأي العام في تركيا، هو الأكاديمي علي كمال أوزجان، الذي ادعت الوكالة أنه زار أوجلان في محبسه يوم أمس الخميس، ونقل عنه قوله: ”نهج التحالف الديمقراطي للحزب ينبغي ألا يكون جزءًا من المساجلات الانتخابية الحالية. أهمية التحالف الديمقراطي هي أنه… يتمسك بموقفه الحيادي”، وذلك دون أن تعطي معلومات قد تشكّل جوابًا لسؤال يتبادر إلى الأذهان مفاده: “بأي وصف التقى أكاديمي أوجلان في محبسه، رغم أنه لا يُسمح لأقرب المقربين إليه إلا ببالغ الصعوبة؟

وفي تصريحات أدلى بها لقنوات تلفزيونية، قال الأكاديمي علي كمال أوزجان: “إن عبد الله أوجلان، بحسب قناعتي الشخصية، هو زعيم ثورة كردية، لكنه في الوقت ذاته شخصية قومية محلية”، التصريحات التي اعتبرتها الأوساط المعارضة محاولة منه لتحويل الناخبين الأكراد من إمام أوغلو، مرشح المعارضة، إلى يلدريم، مرشح الحزب الحاكم بقيادة رجب طيب أردوغان من جانب، وتطورًا يكشف يأس أردوغان من الفوز بإسطنبول من جانب آخر، بحيث يدفعه إلى الاستعانة بشخص يصفه هو بالإرهابي، ويتهم جميع معارضيه بالتعاون معه.

تأتي هذه الدعوة المنسوبة إلى أوجلان في أعقاب إقدام الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، المعتقل حاليًّا، صلاح الدين دميرتاش، على نشر تغريدات، أكد فيها مرة أخرى أنهم سيساندون مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، بعدما انتشرت في الصحف الموالية للحكومة أنباء عن إمكانية الإفراج عنه في جلسة محاكمته الأخيرة، لكنه “فضّل البقاء في سجنه بمدينة أدرنة، ووضع مصلحة الشعب الكردي والتركي فوق كل اعتبار، بدلاً من قبول العرض المقدم له من قبل الحزب الحاكم”.

هذا ورأى مراقبون أن دعوة أوجلان، التي هي بمثابة دعوة إلى دعم مرشح الحزب الحاكم، في حال صحة نسبتها إليه، هي “حملة أردوغان الأخيرة” قبل يومين من إجراء انتخابات إسطنبول، مرجحين أنه قد يبادر إلى التلاعب بالنتائج عبر رجاله في لجنة الانتخابات العليا، وخطوة أوجلان هذه قد تشكل جوابًا لمصدر الأصوات القادمة إليه، حيث سيزعم أنه الأكراد الذين استجابوا لدعوة أوجلان وصوّتوا لصالح بن علي يلدريم.

وعلى الرغم من إسناد كل من وكالة وكالة الأناضول الرسمية للأنباء والأكاديمي أوزجان الدعوة إلى أوجلان، إلا أن عديدًا من القياديين الأكراد نفوا صحة نسبة الرسالة إلى أوجلان، مدعين أن التوقيع الذي حملته الرسالة لا يعود إلى أوجلان؛ بينما شدّد زعيم حزب الشعوب الديمقراطي سزائي تملّي على ضرورة التمهّل حتى صباح الجمعة، معلنًا أن فريق المحامين التابعين لحزبهم سيعقدون مؤتمرًا صحفيّا لتسليط الأضواء على حقيقة الدعوة وملابساتها.

في حين أن أغرب تصريح بعد انتشار دعوة أوجلان في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي جاء من الرئيس أردوغان، حيث نصب نفسه متحدثا عن “الإرهابي أوجلان”، ومفسرًا لتصريحاته المذكورة بأنها من “تجليات الصراع بين أوجلان والزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش”، وذلك في مسعى منه لإزالة الشك المتبادر إلى ذهن الجميع حول تحالف أردوغان مع أوجلان، كما سبق أن تحالفا بشأن انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي.

وكان دميرتاش أدلى بتصريحات مثيرة للغاية أثناء محاكمته في فبراير 2018، كشف فيها عن بعض المساومات التي أجراها أردوغان خلف الستار مع أوجلان، والأسباب التي دفعته إلى الإطاحة بمفاوضات السلام الكردي، حيث ادعى أن أردوغان أرسل إليه أحد وزرائه بورقة تحمل توقيع أوجلان يطالبه فيها بدعم أردوغان في مسألة النظام الرئاسي، والتراجع عن الترشح لرئاسة الجمهورية.

وأشار دميرتاش إلى أنهم قاطعوا استفتاء عام 2010، غير أنهم تعرضوا لضغوط حكومية للتصويت بـ”نعم”، وتابع قائلاً: “تذكروا ما سمي مفواضات أوسلو للسلام الكردي التي أجرتها الدولة (التركية) مع حزب العمال الكردستاني، لا مع حزبي الشعوب الدمقراطي. إننا اتخذنا قرارًا بمقاطعة هذا الاستفتاء لخلوّه من أي مادة تنص على السماح بممارسة متطلبات الثقافة واللغة الكردية. حينها اتهمتنا الحكومة بأننا نتلقى التعليمات من “قنديل”؛ معقل العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق. لكن هذه الحكومة عينها أرسلت إليّ أحد وزرائها بكتابٍ/خطاب من جزيرة إمرالي، حيث يقبع فيه عبد الله أوجلان، يطالبنا بالتصويت بـ”نعم” في الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي (في 2015)”.

وأردف دميرتاش أن الخطاب كان يحمل توقيع عبد الله أوجلان ويَرِد فيه: “القرار الأخير يعود إلى حزبكم، لكن دعمكم لهذا التغيير / النظام الرئاسي، من الممكن أن يفتح المجال أمام عملية تسوية جديدة للمشكلة الكردية”، مشيرًا إلى أن الوزير الذي حمل الخطاب إليه كان يصفه بـ”تعليمات من أوجلان”.

وقال حساب نبض تركيا، تعليقًا على الدعوة المنسووبة لأوجلان، بأن “حزب العمال الكردستاني تسيطر عليه المخابرات التركية منذ تأسيسه، ويخدم مصالح من يمسك السلطة”، وأعاد للأذهان أن البرلماني من حزب أردوغان شامل طيار المنحدر من أصول صحفية، يصفه بتنظيم “أرجنكون الكردي”، في كتابه الذي يحمل هذا الاسم، في مقابل تنظيم “أرجنكون التركي”، واصفًا إياهما بـ”عصابتان توقعان بين الأتراك والأكراد للسيطرة عليهما وعلى ثرواتهما”.

ثم نقل نبض تركيا عن طيار قوله في برنامج على قناة “خبر ترك”: “كانت أجهزة القضاء اعتقلت عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، في سبعينات القرن الماضي بتهم ثقيلة، لكن بعد بضعة أشهر اتصل رئيس الأركان حينها طرغوت سونالب بالمدعي العام، وقال له ‘إنه رجلنا’ ليتم الإفراج عنه في أول جلسة!”

وأيد نبض تركيا رأيه بما قاله كاتب صحفي آخر معروف بعلاقاته الوطيدة مع أردوغان ومخابراته عبد الرحمن ديليباك: ” “عبد الله أوجلان ليس غريبًا، بل يعتبر من أفراد العائلة (المخابرات)، وله أخذ وعطاء مع الدولة منذ أيام دراسته الجامعية، والعمارة التي كان يسكنها في سوريا كان يسكن في العمارة ذاتها مسؤول كل من الملحق العسكري والمخابرات”، على حد قوله.

زمان – تقرير: محمد عبيد الله