حسام والعصفور رن ..رن … رن ,,, بقلم : نرجس عمران

إنه صوت منبه حسام لقد أصبحت الساعة السادسة صباحا وحان الان موعد استيقاظه كي لا يتأخر في الذهاب إلى المدرسة ، نهض حسام من فراشه نظر إلى المنبه وقال باستياء: .. رن.. رن… رن

كل صباح … رن….رن .. توقظني مرعوبا رن ..رن ..رن ..اصمت أيها المنبه المزعج سأنهض الأن .

ثم نهض وأمسك المنبه وأسكت صوت بتوتر نظر حسام من النافذة ، الصقيع يملأ المكان والأشجارالمحيطة بمنزله تبدو كما لوأنها لوحة صامتة رمادية لا حياة فيها ، وقبل أن يبتعد بنظره ، رأى عصفورا صغيرا على حافة النافذة نظر إليه باستغراب ، فتح النافذة بهدوء كي لا يوقظه فلقد اعتقد قائلا : ترى ماذا يفعل هذا العصفور هنا ؟ ! هل هو نائم ؟! هل هو متجمد ؟! هل هو ….

ولكن العصفور لم يبدي أية حركةٍ لحظة اقترب حسام منه وأدخله إلى داخل الغرفة .

بدا كما لو ميت منظره مؤسف للغاية لذلك اغرورقت عيون حسام بالدموع من حزنه على العصفور المسكين ، قال له حسام : كم أنت مسكين أيها العصفور ؟!

بالتأكيد السبب هو الصقيع ،

كم أنا أسف لأجلك ؟! وراح حسام ينفخ عليه هواء ساخنا من صدره ، ويلفه بكلتا كفيه لعله يعطيه بعض الدفء، لكن العصفور للأسف لم يتجاوب مع حسام أبدا ، وضع حسام العصفور على المنضدة بجوار السرير بعد أن جعل شاله الصوفي غطاء وشرشفا للعصفور ،

ثم نظر إلى المنبه وقال له : إنها المرة الأولى التي أتمنى لو أن رنينك كان أبكر ليتك أيها المنبه أيقظتني في وقت أبكر، لربما كنت ساعدت ذلك العصفور المسكين قبل أن يتجمد كليا ويفارق الحياة ، ليتك فعلتها أيها المنبه وأيقظتني باكرا وباكرا جدا.

وإذا بإم حسام تناديه هيا يا حسام لقد تأخرت عن المدرسة ، أسرع حسام دخل الحمام وغسل وجهه وارتدى لباسه المدرسي وهو يخاطب العصفور قائلا: الأن سأتركك وحيدا أيها المسكين لكن هنا لن تبرد أبدا وذهب مسرعا إلى المدرسة .

كان الجو باردا جدا حتى أن أذني حسام قد أصبحتا حمراويين من شدة البرد

قالت له المعلمة: ماذا بك يا حسام ؟

لماذا أنت شارد حزين محمر الوجه هكذا؟!

هل أنت مريض ؟

أجابها حسام بصوت هادئ حزين : لا أبدا أنا لست مريضا .

قالت له : حمد لله إذا هيا ضع شالك الصوفي على رأسك وأذنيك قبل أن تمرض الجو بارد جدا.

فقال لها حسام : لم أحضر الشال معي يا معلمتي .

سالته المعلمة : لكن لماذا ؟ والجو بارد اليوم

أجابها حسام : لقد وجدت عصفورا مجمدا من الصقيع لذلك أعطيته شالي عله يحس بالدفء .

قالت المعلمة بفخر : كم أنت نبيل يا حسام ؟

كي تفضل العصفور عن نفسك وتعطيه شالك ، لكن يا حسام ، أين هو العصفورالأن ؟

أجابها حسام : إنه في البيت

قالت المعلمة : إذا البيت دافءٌ يا حسام وليس باردا كما في الجو خارجا لن يبرد العصفور داخل المنزل وأنت من سيبرد ويمرض لكنك خرجت خارج المنزل .

لذلك في المرة المقبلة احتفظ بالشال لنفسك

وإذا كنت تريد مساعدة العصفور حقا بوسعك أن تغطيه بقطعة قماش أخرى .

قال حسام : نعم معلمتي سأفعل لكني حزنت جدا على العصفور لقد مات بردا، واغرورقت عيني حسام بالدموع من جديد

اقتربت المعلمة من حسام وقالت : هيا يا صغاري يستحق حسام الطيب صقفة طليعية لأنه طيب ويحب مساعدة الأخرين الإنسان والحيوان أيضا

صفق التلاميذ لحسام بحرارة .

ابتسم حسام والمعلمة تمسح دموعه قائلة له : ليتك تعود لتجد العصفور بانتظارك،

الحنان والحب يعطي دفئا كبيرا وحياة جديدة لا تيأس أبدا يا حسام

قال حسام : نعم لن أيأس أبدا .

انتهى اليوم الدراسي وعاد حسام إلى البيت مسرعا دخل غرفته اقترب من المنضدة أزاح المنبه قائلا له : ابتعد أيها المزعج ليتك ترن بالوقت المناسب .

اقترب بهدوء من العصفور أزاح الشال عنه وهو يتذكر كلام معلمته

(الحب والحنان يعطي روحا جديدة وحياة جديدة ) وهو يقول : يا الله

وبكل لطف ورقة وهدوء مسح بإصبعه على رأس العصفورالذي حرك ساقته حركة بسيطة .

إعتقد حسام أنه واهم أو أنه يتخيل ، فأعاد الحركة مرة أخرى حقا لقد حرك العصفور جناحه بهدوء ، يا إلهي صرخ حسام إنه حي!!! لم يمت الحمد لله

وأسرع إلى المطبخ وأحضر له الماء والخبز المبلل بالماء أيضا

وأسقط بضع قطرات من الماء على منقار العصفور ، وضمه أكثر ودفئه أكثر ، حقا إن سعادة حسام كانت لاتوصف حين بدأ العصفور يتحسن ويتحرك أكثر ،

حاول حسام في المساء وضع الطعام في فم العصفورالذي بدأ يتجاوب مع حسام قليلاويفتح فمه ،

وفي صباح اليوم التالي

رن.. رن … رن… استقيظ حسام بسرعة ونظر إلى العصفور كم أسعده بأنه كان واقفا على قدميه !! لكنه سرعان ما سقط

قال له حسام : انتظر حتى تصبح أقوى يا عصفوري ، لن أحبسك أبدا لاعليك، ولكني سوف لن أدعك تطير قبل الشفاء التام ، ولفه مجددا لكن بقطعة قماش أخرى وارتدى شاله وذهب إلى المدرسة ، وعندما دخلت المعلمة قال لها حسام : فعلا معلمتي الحب و الحنان والدف ء يخلق روحا جديدة لقد عادت الروح إلى العصفور لكنه مازال مريضا .

قالت له المعلمة : حسنا ارعاه واعتني به وسيتحسن بكل تأكيد .

قال حسام فرحا: نعم طبعا سأفعل

وعند الظهيرة بدأ العصفور يزقزق ويستطيع الوقوف فترة أطول على ساقيه ويأكل بعض مايقدمه له حسام . نظر إليه حسام وقال له : أعرف أنك اشتقت للطبيعة ، كلنا نحب الحرية عدني أنك ستتعافى غدا وأعدك أن أطلق سراحك غدا إنشالله ، زقزق العصفور بهدوءٍ فقال له حسام ضاحكا : حسنا سأعتبر أنك وعدتني أيها العصفور .

في صباح اليوم التالي استيقظ حسام على زقزقة العصفور سُرّ كثيرا إنه صوت لطيف وعذب نظرإلى المنبه وقال له : ليس مثل صوتك الخشن

.. رن …رن …بكل إزعاج ….

ولكن لماذا لم ترن اليوم أيها المنبه ؟! ماذا أصابك ؟

أوه لقد تعطل المنبه إن عقاربه لاتمشي ، من سيوقظني غدا ؟

قال حسام بكل أسف وهو ينظر إلى العصفور لكن لا بأس يا عصفوري ، أنا فرحت حقا لأنك تعافيت وسأفي بوعدي وأطلق سراحك أتمنى أن تعود لزيارتي قريبا ، وفتح له النافذة
وقال له : إلى اللقاء أيها العذب …

وتابع حسام يومه بكل براءة وفرح ، وقبل أن ينام تذكر أن المنبه معطل فذهب إلى أمه وقال لها : أيقظيني صباحا لو سمحتِ يا أمي كي لا أتاخرعن المدرسة فالمنبه معطل ،

أجابته أمه حسنا يا صغيري تصبح على خير

وفي صباح اليوم التالي عندما جاءت الأم لتوقظ حسام ، تفاجأت حين وجدت حسام مستيقظا يقف أمام النافذة ينظر منها للخارج ،

قالت له : صباح الخير يا حسام

لقد استيقظت ها أنت أصبحت شابا ولست بحاجة الى أمك كي توقظك ولا إلى المنبه أيضا .

فقال لها حسام : لا يا أمي لم أستيقظ من تلقاء نفسي لقد ايقظني صديقي.

فقالت له الأم مستغربة: صديقك ؟!

من هو صديقك ؟! لم يأتي أحد لزيارتك اليوم

فقال حسام : صديقي العصفور إنظري أين هو ؟!

لقد استيقظتُ على صوت زقزقته اللطيف صباحا .

كم هو وفي؟! إنه يبادلني المعروف يا أمي . قالت الأم : نعم يا بني ، علينا أن نفعل الخير والأفياء فقط يحفظونه ولا ينسونه أبدا.

نرجس عمران – شاعرة سورية