ماذا لو هزمت إيران والحرس الثوري الايراني ؟

هل يمكن للشرق الأوسط أن يتسع لكل ذلك الجنون؟

كنا قد استعدنا، أكثر من مرة، وصف برنارد لويس للمنطقة «عربة عتيقة تجرها آلهة مجنونة»…

ابان حرب تموز 2006، كانت هناك قوى، وشخصيات, لبنانية، قد راهنت، بل وأبدت استعدادها للمشاركة الميدانية في ازالة «حزب الله» عسكرياً، وسياسياً، من المعادلة اللبنانية.

آنذاك وقف قطب سياسي في وسط الحلبة. سأل «هل تدرون ماذا يمكن أن يحدث اذا ما هزم حزب الله، ونزل الى ما تحت الأرض؟ لن يبقى رأس على أكتافنا…».

الآن، والايقاع يأخذ ذلك المنحى الكارثي، ماذا اذا هزمت ايران، ونزل الحرس الثوري، ومعه القوى الحليفة في المحيط الى ما تحت الأرض؟ لا نتصور أنه، في ظل هذا العراء الاقليمي، يمكن أن يبقى رأس على كتفين.

ذعر في بلدان الخليج من الاحتمالات. استغراب حيال ذهاب المملكة الى ذلك الحد في التماهي مع السياسات المجنونة لدونالد ترامب. الاوروبيون يحبسون أنفاسهم. تعليقاتهم تشي بأن الشرق الأوسط يمضي، بخطى حثيثة، نحو جهنم.

المسألة هنا تختلف كثيرأ عن «استراتيجية الاحتواء» (Containment strategy ) .النظرية التي أطلقها الديبلوماسي، والمؤرخ، الأميركي جورج كينان عام 1947، في عهد الرئيس هاري ترومان، لمواجهة احتمالات التمدد الشيوعي في أكثر من منطقة في العالم.

في ذلك الحين، كانت هناك أمبراطورية تبلغ مساحتها سدس مساحة الكرة الأرضية، وموجودة حتى على الأرض الألمانية، بقيادة شخصية حديدية (جوزف ستالين).

لا مجال للمقارنة بين هذه الأمبراطورية وايران، بامكاناتها المحدودة نسبياً، والمحاطة بالقواعد الأميركية في أفغانستان، وباكستان، وتركيا، والعراق، واذربيجان، وسائر بلدان الخليج، دون اغفال الأساطيل، بما فيها الغواصات النووية، التي تجوب، أو ترابط، في المياه المجاورة.

حتى أن رجب طيب اردوغان الذي طالما راهن على المظلة الأميركية لاعادة «الولايات العربية» الى السلطنة، يتوجس، حالياً، من أن يكون الثور الأبيض بعد الثور الأسود.

لدى الأتراك معلومات دقيقة حول الصفقة الأميركية ـ السعودية. لا بد من اقامة نظام بديل في تركيا بعدما تجاوزالنظام الحالي، في طموحاته الجيوسياسية، كل الخطوط الحمراء. نتائج الانتخابات البلدية مؤشر أكثر من أن يكون خطيراً.

الرئيس التركي بات على اللائحة السوداء. كعب أخيل في الاقتصاد الذي هدد دونالد ترامب بتدميره. هذا السيناريو مؤجل كي لا تميل أنقرة، في خطواتها التكتيكية، أكثر فأكثر، الى المحور الروسي ـ الايراني. التنفيذ في وقت لاحق.

اردوغان يدرك ذلك. وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو قال لسيرغي لافروف ان دونالد ترامب أكثر جنوناً من جورح دبليو بوش. لا بد أن يعود محطماً من الشرق الأوسط.

هكذا يلاحظ اللعب التركي الحذر في سوريا، بعدما اضطلع اردوغان بدوره، على أفضل وجه، في تدميرها. لا بد من الحيطة، وهو الراقص بين خيوط العنكبوت. الخشية من ردة الفعل الأميركية بعدما أخفق في توظيف عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في محاولة لاحتواء الأمير محمد بن سلمان. رهان في منتهى الغباء…

البلاط السعودي ينظر الى تركيا كونها الخطر الحقيقي على المملكة، غير أن التأجيج المذهبي ورقة سحرية في هذا الوقت. جبهة واحدة تكفي. الجبهة الأخرى الى وقت آخر.

ايران، المثقلة بالعقوبات، لا يمكن أن تشكل خطراً على السعودية. هذه حقيقة لا تقبل الجدل. ولي العهد لا يستطيع الا أن يندمج في تلك الاستراتيجيات المجنونة للحفاظ على العرش، وسط تفاعلات «جيولوجية» عاصفة تشهدها المملكة في الانتقال من الانغلاق الديني المروع الى الانفتاح على الرياح الآتية من ليالي بيفرلي هيلز.

لا قضية لدى البلاط سوى البقاء. جلّ قادة العالم ضد دونالد ترامب باستثناء محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو. السياسات التي يختطها البيت الأبيض حيال القضية الفلسطينية، بأبعادها السياسية، والأخلاقية، وحتى الوجودية، لا تعني، بشيء، قصر اليمامة.

نتنياهو أعلن اعتزامه الحاق المستوطنات، التي تخترق الضفة الغربية لولبياً، باسرائيل كمدخل الى الحاق الضفة بأكملها. عرب الخط الأخضر أظهروا، في انتخابات الكنيست، حالة من اليأس الذي لا نظير له منذ النكبة الكبرى (الآن النكبة الكبرى). علناً يسألون «… متى يتم نقلنا بالحاويات الى البحر الأحمر؟».

السعودية قد تكون الدولة الوحيدة التي هللت لقرار واشنطن اعتبار الحرس الثوري منظمة ارهابية. احتمالات الصدام في مياه الخليج اكثر من أن تكون محتملة. الرياض تحدثت عن اجتماع على مستوى عال بين ممثلين للولايات المتحدة وممثلين لدول عربية (بينها الأردن الذي لا يزال جاهزاً للعب ضد سوريا). الغاية هي البحث في الخطوات العملانية الخاصة بانشاء «الناتو العربي».

خطوة خطوة وراء دونالد ترامب الذي لا تعنيه في المنطقة سوى دولة واحدة هي اسرائيل. هنا الخوف الخليجي (ولكن… ما العمل؟) من أن يدفع البيت الأبيض المملكة الى حرب لا بد أن تشمل كل بلدان مجلس التعاون، وصولاً الى بلدان أخرى في المنطقة. ما يجري وراء الضوء يشي باحتمالات كثيرة وخطيرة.

الرئيس الأميركي لن يبعث بجنوده الى الميدان كي لا يعودوا بالتوابيت. لا يعنيه أن تتحول المنطقة الى ركام، لا بل ينبغي ان تتحول الى ركام…

أين هي مصلحة المملكة، التي لم تتمكن من احتواء الهياكل العظمية في اليمن، في خوض حرب ضد قوى معبأة, ايديولوجياً وقتالياً، حتى العظم؟

هنا السؤال…

الديار اللبنانية – نبيه البرجي