التسوية في المنطقة على وقع طبول الحرب ,,, بقلم : نبيهة إبراهيم

المشهد السياسي في المنطقة اليوم بات شديد الدقة والتعقيد، إذ تسارعت الأحداث في الآونة الأخيرة بشكل دراماتيكي . أميركا والكيان الإسرائيلي يهوّلون بما يسمونه ” صفقة القرن” استكمالاً لاعتبار ترامب أن القدس عاصمة” لإسرائيل ” و ضم الجولان السوري المحتل للكيان الإسرائيلي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي واعتداء على حق الشعب العربي في سورية وفلسطين، كما أعلن ترامب عشية الانتخابات الإسرائيلية إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب ما اعتبرته إيران انتهاكا لسيادتها وأمنها القومي. و نتج عن تلك الانتخابات شغل نتنياهو منصب رئيس وزراء العدو لفترة خامسة غير مسبوقة٠
أمريكا اليوم تشن حرباً اقتصادية ضد الشعب السوري عبر إجراءات حظر جائر غير قانوني، لم يقره مجلس الأمن ، ظناً منها أنها قادرة على ترويض الشعب السوري ودفعه للتنازل عن حقوقه في أرضه. هذا وقد نشرت وزارة الخزانة الأميركية في الخامس والعشرين من آذار الماضي وثيقة تحذر فيها شركات شحن النفط البحري من نقل أي شحنات نفط إلى سورية.

خطوة ترامب تجاه الجولان السوري المحتل خطوة حمقاء غبية ليس لها أثر إلا الإعلاني فقط ، هي غير ملزمة قانونيا لبقية الدول، لأنها خارج القانون الدولي كما أنها خطوة عاجزة عن تغيير حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً وهذا ما أكدته سورية عبر بيان وزارة الخارجية “إن تصريحات الرئيس الأمريكي تؤكد مجددا انحياز الولايات المتحدة الأعمى” لإسرائيل لكنها “لن تغير أبدا من حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربيا سوريا”.

إعلان ترامب تجاه الجولان غير ملزم حتى للرئيس الأمريكي الذي سيخلفه، فأمريكا و” اسرائيل ” لها تاريخ طويل في انتهاك القانون الدولي، والاعتداء على حقوق الإنسان، ونقض العهود والمواثيق الدولية التي يوقعونها. فترامب نقض الاتفاق النووي الإيراني الذي وقع في عهد سابقه أوباما. وخرج من اتفاقية نافتا مع المكسيك وكندا أقرب حلفائه. و”اسرائيل ” اغتالت اسحق رابين بسبب ما عُرف حينها (١٩٩٤) ب ” وديعة رابين ” وتتضمن تعهد إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل إلى حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧م.

إذاً هو تعهد أمريكي بالخروج من عملية السلام وبأن أمريكا طرف غير مؤهل لرعاية السلام لممالأتها المفتوحة لاسرائيل. وبالتالي تعهد مقابل تعهد، وقوة مقابل قوة . والسؤال هل أمريكا في وارد شن الحرب وتحمل آثارها كما كانت سابقاً تسخر المؤسسات الدولية لتبرير تدخلها بالدول وشن الحروب عليها . في العام ١٩٩٥ عقدت مجلس الأمن وشرّعت احتلال كوسوفو وبررّ ت حملتها على أنها “حرب إنسانية”.

شهد القرن الماضي أحداثا مفصلية غيرت موقع القوى العظمى المؤثرة على ساحة الصراع الدولي هي:
١- العدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦ ، حيث وجه كل من الاتحاد السوفيتي وأميركا ضربة لأوروبا والكيان الإسرائيلي، وكل منهما فهم الموقف بطريقته، أوروبا القديمة ولّت وولّى معها زمن الاستعمار القديم، وبريطانيا استنتجت أنه لا بد من التنسيق مع أمريكا والطريق انتهى بها بالتبعية المباشرة لها )تاتشر – توني بلير(. في عهد تاتشر دخلت المملكة المتحدة ضمن منظومة الدفاع النووي مع أمريكا ” مظلة نووية”. أما توني بلير فقد زوّر أدلة ليكون شريكاً لأمريكا في حرب فاشلة ” غزو العراق” نتج عنها خسارة استراتيجية له ولبوش وانتهى به الأمر في بلده” كلب بوش المدلل”. فرنسا فهمت أن أمريكا باتت قوة عظمى لا يمكن مجابهتها إلا ببناء أوروبا ” الاتحاد الأوروبي” ، والذي انتهى إلى المشاكل المعروفة حالياً.

الكيان الإسرائيلي تعلم من درس /١٩٥٦ / أنه إذا أراد شن حروب على العرب يجب أن يضمن حياد أمريكا على الأقل، وانتهى به الأمر لأن يصبح ذراع أمريكا في المنطقة (كيسنجر ) الذي هندس علاقة أمريكا ب” إسرائيل ” وشبك مصالح الكيان بمصالح أمريكا بجعل أي نهج إسرائيلي يخدم مصالح أمريكا.
٢- حرب الخليج الثانية ١٩٩١م وتكريس هيمنة أمريكا على العالم.
٣- الحرب على سورية وما أنتجته من تراجع نفوذ أمريكا وبروز أقطاب مناوئة: روسيا ند عسكري والصين ند اقتصادي لأمريكا. رغم قوة موقف روسيا المناوئ لأمريكا فان خوف أمريكا اكبر من الصين. فالصين وحدها القادرة على لي ذراع أمريكا. مع بداية ٢٠١١ كان معدل نمو الناتج القومي في أوروبا الغربية وأمريكا يتراوح بين واحد إلى ثلاثة بالمئة، منحدرا عن مستوياته العادية و ٦ إلى ٧ بالمئة. أكبر معدل نمو كان في ألمانيا ٣و في الصين كان ١٠ بالمئة. حدثت هجرة رؤوس أموال ضخمة من أوروبا وأمريكا إلى الصين. ترامب فرض ضرائب على الصين مما ساهم في عودة بعض رؤوس الأموال إلى أمريكا لكنه نجح لفترة محدودة على مدى ست شهور تحسنت الأمور من منظور أميركا لكن حالياً لا يزال الركود الاقتصادي يخيم على الاقتصاد العالمي. وتحتفظ الصين بحيويتها الاقتصادية.
أوروبا اليوم تعاني ما تعانيه من أزمات ، حركة السترات الصفر في فرنسا تجاوزت ١٩ أسبوعا وبريطانيا في ورطة تتأرجح مابين البقاء والخروج من الاتحاد الأوروبي .
كل ذلك يعود لأزمة اقتصادة كبيرة سببها الإنفاق العسكري المهول على الحروب . و” إسرائيل ” عاجزة عن أن تشن حرب دون مساعدة أمريكا وأوروبا، وإذا حصل فستكون نتائجها كارثية عليها وعلى الاقتصاد الرأسمالي.

محور المقاومة يراكم إنجازاته بحيث يحسن شروطه للحد الأقصى، وسوريا تعمل لتستعيد عافيتها و تخلص كامل ترابها من الإرهاب كما خلصت حلب ودير الزور وغوطة دمشق ودرعا.

وفي النهاية لو استطاعت أمريكا و” إسرائيل ” خلال ثمان سنوات لاحتلت سورية بأكملها، حاولوا بالقوة السيطرة على سورية وبالتواطؤ مع قوى الشر في العالم كله وفشلوا . والجولان عائد عائد وهم عابرون بين الكلمات العابرة كما بشر درويش.