سوريا غابت عن القمة العربية ولبنان حضر بهمومه الخاصة

“قامت القيامة” على لبنان حين عقد القمة الاقتصاديّة العربية على ارضه وترأسها، واتته الضربات من كل حدب وصوب كونه لم يضمّ سوريا الى لائحة المدعوّين. وعلى الرغم من كل التفسيرات التي اعطاها والتبريرات التي اعلنها حول مسؤوليّة الجامعة العربيّة عن توجيه الدعوات، استمرّت الانتقادات تنهال عليه حتى الامس القريب.
وقبل ساعات محدودة، انعقدت القمة العربيّة بكامل عدّتها وعتادها في تونس، وللتذكير فقط، فإن تونس هي من بين الدول التي تدعم عودة سوريا الى الجامعة، كما انها كانت من بين الدول التي عقدت اجتماعات وقامت باتصالات من اجل هذه الغاية، دون ان تنجح. ومع كل ذلك، انعقدت القمة العربية (وهي قمة سياسيّة بامتياز، وليست اقتصاديّة) في الموعد المحدّد لها، دون مشاركة سوريا فيها. اما الفارق بين لبنان وتونس في هذا المجال، فهو انّ الاخيرة لم تتلقّ ايّ سهام بسبب عدم المشاركة السوريّة، بل استمرت الامور على ما هي عليه بسلاسة ووفق ما هو متوقع، واختفت فجأة الاصوات التي كانت تصدح عالياً وتندد بعدم دعوة لبنان لسوريا، وكأنه يحقّ لتونس ما لا يحق للبنان، علماً ان البلدين المضيفين عملا بما تلزمهما به قوانين الجامعة العربية.
ولم ينجح الوفد اللبناني المشارك في القمّة، في اعادة الاعتبار في هذه القضيّة تحديداً، ومرّت الامور بشكل عادي دون ان يظهر مدى الظلم الذي تعرّض له لبنان حول هذه المسألة. قد يعتبر البعض انّ السبب يعود الى عدم رغبة لبنان في اثارة المشاكل مع بعض الدول العربيّة وغير العربيّة، وانه فضّل التركيز على مواضيع تهمّه ويعمل على تسويقها عربياً ودولياً كقضية النازحين وتعزيز الاقتصاد وحمايته، واثارة الصراع مع اسرائيل ان على مستوى الفلسطينيين او على مستوى العرب ككل. وهذا يعني ان الهموم اللبنانيّة الحاليّة تغلّبت على ما عداها من مواضيع، وهو امر منطقي بالنسبة الى اللبنانيين.
ولكن عون لم يحصل من العرب على اجوبة لاسئلته عن مصير النازحين السوريين، ولا حتى من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، كما انه لم ينجح في توضيح الصورة حول قدرة العرب على مساعدة لبنان على تجاوز مشاكل يعاني منها، حتى تلك الاقتصاديّة التي لا تحتاج الى مشاورات دوليّة، او مخاوف من تغييرات في موازين القوى السياسية والعسكرية، فاكتفى لبنان بالمشاركة كما هو الحال في القمم العربيّة على مدى السنوات الماضية، ونقل الهموم والمشاكل آملاً في ان يلقى تجاوباً او موقفاً واضحاً لدعمه، بالفعل وليس فقط بالقول. ولكن الاهم، ان لبنان لم يطرح سحب المبادرة العربيّة للسلام، ولم يشجّع على “احراج” بعض الدول العربيّة التي لم تجد في التواصل مع المسؤولين الاسرائيليين امراً غريباً، لانه يدرك ان دخوله في هذه اللعبة لن يكون في مصلحته، ولن يلقى آذاناً صاغية او نتائج ايجابية، فاكتفى بتجديد مواقف المعلنة من اسرائيل.
يكاد لبنان يكون الصوت الوحيد الذي يقرن القول بالفعل في ما خص الصراع مع اسرائيل، وهو امر نابع من تجارب اليمة اثبتت عقم الاستجابة الاسرائيليّة لايّ قرارات دوليّة او عربيّة من شأنها اعادة الحق الى من يستحقّه، كما ان الموجة الاميركية الحالية التي تركبها اسرائيل، اقل ما يقال عنها انها عاتية وليس في الافق ما يشجّع على تقدير تراجعها او التخفيف منها، وهو الوحيد الذي لا يزال يقف في وجه “السيطرة على ارضه” بحكم الامر الواقع دون ان يفقد الامل بعد في ان يقف العرب يوماً ما وقفة مشرّفة تغنيهم عن الاعتماد على الخارج وتنفيذ قراراته…
ووسط الصمت العربي المؤسف، قد نشهد انعقاد قمم عربية في المستقبل تبحث مطالب اسرائيليّة لتعزيز “حسن الجوار”.
النشرة اللبنانية – طوني خوري