تركيا تهدد بـ«خياراتها» في شرق الفرات

عادت أنقرة إلى التلويح بتحرك عسكري في شرقي الفرات، وسط تصويب بعض حاضري «القمة العربية» في تونس على «التدخلات الخارجية»، ولا سيما من إيران وتركيا
وسط غياب سوريا عن «قمة تونس»، وتركيز معظم الحاضرين فيها على تسجيل مواقف «خلّبية» ضد الإرادة الأميركية في ملف الجولان المحتل، كرّر البيان الختامي «التوافقات» العربية في الشأن السوري، فيما نحت بعض الخطابات إلى التصويب على «التدخلات الخارجية» ولاسيما من تركيا وإيران. ولا يخرج استحضار المواقف المتشددة ضد أنقرة وطهران عن حملة المبررات التي ساقتها عدة دول عربية لتعليل «الانفتاح على دمشق»، قبل أن تلجمه إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. واللافت في بعض الحديث العربي المستجدّ أنه أشار بوضوح إلى «المنطقة الآمنة» التي تعمل تركيا على إنشائها عبر مفاوضات متعثّرة (حتى الآن) مع الجانب الأميركي. إذ قال الأمين العام لـ«جامعة الدول العربية»، أحمد أبو الغيط، في كلمته أمس، إنه «لا مجال لأن تكون هناك جيوب لقوى إقليمية في بعض دولنا، تسمّيها على سبيل المثال مناطق آمنة».
وبمعزل عن الأدوات التي يملكها أعضاء هذه «الجامعة» لمنع تلك «التدخلات» أو إجهاض مشروع «المنطقة الآمنة»، فإن الإشارة إلى هذا الملف تأتي في موازاة تسخينه من قِبَل الأتراك في الميدان والسياسة. فبعد أيام على لقاء وزيرَي خارجية تركيا وروسيا في أنطاليا، جال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس أركان الجيش يشار غولر، على الوحدات التركية المنتشرة على الحدود الجنوبية قبالة الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» بمظلّة عسكرية من «التحالف الدولي». وجرى إعلان افتتاح «مركز إدارة وتحكّم» مختصّ بإدارة العمليات العسكرية التي تهدد أنقرة بشنّها على الجانب السوري من الحدود، في حال فشل مسار التفاوض. وخلال تواجده في ولاية «شانلي أورفه» التي تلاصق الأراضي السورية من زور مغار إلى رأس العين، أكد أكار أن خطط بلاده واستعداداتها لعملية محتملة شرق الفرات «قد اكتملت».
افتتحت أنقرة «مركز إدارة» للعمليات «المحتملة» عبر الحدود مع سوريا
وترافق هذا النشاط العسكري مع وعيد من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإعطاء الأولوية لـ«حل القضية السورية» بعد اختتام الانتخابات المحلية في بلاده، ومنع «إنشاء ممر إرهابي» على الحدود الجنوبية. وتضمّن كلام أردوغان، الذي يحمل صبغة انتخابية إلى حد كبير، تلويحاً بنوايا «اتخاذ إجراء مباشر بدلاً من الجلوس على طاولة المحادثات».
موقف أنقرة هذا أتى بعد غياب لأي تطورات لافتة (معلنة) على صعيد المحادثات مع الجانب الأميركي في ما يخص «خريطة منبج» و«المنطقة الآمنة»، سوى التصريحات التركية المنتقدة «عدم وجود استراتيجية أميركية». ولم ينعكس القلق من مستقبل شرق الفرات في ظلّ ضبابية خطط واشنطن، على تركيا فحسب، بل حضر في التصريحات الصادرة عن بعض زعماء العشائر والقوى السياسية في شرق وشمال سوريا خلال الأيام القليلة الماضية. وترافق ذلك واختتام «ملتقى الحوار السوري ــ السوري الثالث» قبل أيام، والذي نظمه «مجلس سوريا الديموقراطية» في عين العرب (كوباني). وأعاد بيان الملتقى الختامي التركيز على مسألة «السلطة اللامركزية»، مشيراً إلى «ضرورة وجود مواد دستورية أساسية وفوق دستورية محصنة للدستور السوري الجديد… بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها وتحقيق نظام سياسي ديموقراطي لسوريا لا مركزية». وتشير فحوى البيان إلى بقاء العراقيل أمام أي حوار بين «مسد» ودمشق حول ملف «اللامركزية»، لا سيما وأن الجانب الحكومي رفض غير مرّة أي صيغة «إدارة» لا يكفلها الدستور السوري.